قضايا داخليةمقالاتالبيت الأبيض

من المسؤول عن تهميش أجندة ترامب؟!

د. منار الشوربجي: أكثر ما يلفت الانتباه في الأزمة الأخيرة التي خلقها التعبير البذيء الذي استخدمه ترامب لوصف المهاجرين أنها ليست جديدة، فمنذ بداية حكمه صار الرئيس الأميركي هو المسؤول شخصياً عن تهميش أجندته الداخلية والخارجية! فقد استخدم ترامب تعبيراً لا يجوز كتابته في وصف الدول الأفريقية واللاتينية التي يأتي منها المهاجرون، مطالباً بوقف الهجرة منها وبمزيد من الهجرة من النرويج.

وهو معنى ينضح بالعنصرية أثار عاصفة همشت بالكامل أجندة الرئيس التشريعية. فقد بدأ الكونجرس دورته الجديدة بالعمل بخصوص إصلاح قانون الهجرة، وسعت الإدارة لأن يصدر مثل ذلك التشريع من خلال تعاون عبر حزبيه، لكن مثل ذلك التصريح الفج يئد الفكرة من أساسها، إذ يستحيل على الأعضاء الديمقراطيين من غير البيض على الأقل التغاضي عما قاله ترامب.

وقد جاءت تلك الأزمة لتتلو مباشرة عاصفة أخرى استمرت أسبوعين على الأقل لم يكن فيها حديث للإعلام سوى ذلك الكتاب الذي تناول البيت الأبيض في عهد ترامب، والعاصفة كان سببها رد فعل ترامب. فالكتاب لم يقدم شيئاً يتناقض مع ما هو متواتر في الإعلام بالفعل عن أداء البيت الأبيض ولا حتى عن طبيعة شخصية الرئيس ترامب.

فالقاصي والداني عرف خلال العام الأول لحكم ترامب أن فريق العمل بالبيت الأبيض منقسم لفرق عدة بينها صراعات ضارية يقال إن الرئيس نفسه يؤججها أحياناً، وقد نتج عن تلك الصراعات ما شهدناه، على غير المألوف، من استقالات وإقالات بالجملة خلال العام الأول لحكم الرئيس، فكان على رأسها رئيس الجهاز الفني للبيت الأبيض، رينس بريبس، والمتحدث الرسمي، شون سبايسر، ومستشار الرئيس ستيف بانون، فضلاً عن أنتوني سكاراموتشي الذي لم يبق في منصبه سوى عشرة أيام. وقد بات معروفاً أيضاً أن الرئيس ترامب ليس لديه دراية بأغلب القضايا الداخلية والخارجية وأنه يطرب للإطراء.

وبسبب شخصية المؤلف، ما كان للكتاب أن يحظى بكل ذلك الاهتمام، فالمؤلف مايكل وولف، صحافي معروف وعمل في عدة صحف كان آخرها «يو إس إيه توداي»، ولكنه من المعروف عنه الميل للمبالغات، لكن البيت الأبيض تعامل مع الكتاب باعتباره نهاية العالم.

فقبل أن ينزل للأسواق، وما إن نشرت مقتطفات من الكتاب في صحف عدة نقلت عن ستيف بانون المستشار السابق للرئيس هجوما على أسرة الرئيس، حتى كان محامو ترامب الشخصيون يرسلون بخطاب رسمي لبانون يحذروه من أنه انتهك قاعدة السرية المعمول بها في معاملات الرئيس مع فريقه للعمل ويهدده بملاحقته قضائياً وأرسل فريق المحامين أيضاً خطاباً مماثلاً لناشر الكتاب يحذره فيه من نشره أصلاً.

وقد أدى رد فعل البيت الأبيض لتصدر الكتاب نشرات الأخبار الأميركية وصارت فصول كاملة من الكتاب هي الموضوع الأول في عشرات الصحف العالمية وعلى مدار أسبوع بل ونفذت من الكتاب 30 ألف نسخة بمجرد طرحه في الأسواق! بعبارة أخرى، كان البيت الأبيض هو أكبر مروج للكتاب!

لكن تلك المفارقة نفسها ليست جديدة بالمرة، فهي صارت نمطاً سائداً في أداء ترامب، فهو كان المسؤول منذ الشهور الأولى عن القضايا التي صارت تصرف الانتباه بعيداً عن أجندته، فما هي إلا شهور قليلة على توليه الحكم حتى كان ترامب (في مايو) يقيل جيمس كومي، مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي.

فرغم نصيحة أغلب مستشاريه، فتح ترامب بإقالة كومي الباب أمام تعيين محقق مستقل يتولى قضية تدخل الروس بالانتخابات الرئاسية الأخيرة ومدى تورط العاملين في حملة ترامب في التنسيق معهم، أكثر من ذلك، فإن تجاهل ترامب المستمر لنصائح محاميه له بتجنب التطرق للتحقيقات فإنه بنفسه الذي جعلها قضية دائمة الحضور في الإعلام تصرف الانتباه عن أجندته.

وترامب، حين خرج عن مضمون الخطاب الذي كتبه له مستشاروه بخصوص مسيرة النازيين في مدينة تشارلوتسفيل في أغسطس، وارتجاله بعدها لتصريحات دافعت عنهم فتح الباب أمام أيام متتالية من التغطية الواسعة، بعيداً عن بنود أجندة الرئيس التي كانت معروضة أمام الكونجرس.

وترامب من خلال تصريحه في الشهر نفسه الذي هدد فيه كوريا الشمالية «بالنار والغضب» أثار قلقاً عالمياً بشأن إمكانية وقوع حرب عالمية ثالثة.

وهو القلق نفسه الذي ساد العالم الشهر الماضي حين رد ترامب على رئيس كوريا الشمالية حين تحدث عن الزر النووي الذي يملكه بتأكيده على أنه يملك «زراً أكبر» وأنه في متناول يده، وفي المرتين كما في غيرهما كان الرئيس بنفسه من خلال تصريحاته هو المسؤول عن تهميش أجندته السياسية.

وفى كل تلك الوقائع، ما يؤكد أن الرئيس شخصياً هو المسؤول على ذلك النمط المتكرر في تهميش أجندته، لكن المفارقة الأخطر هي أنه ثبت من خلال تصريحات رسمية لمساعدي الرئيس أن أحداً، بمن في ذلك الجنرال جون كيلي، رئيس الجهاز الفني للبيت الأبيض، لم يفلح في إثناء ترامب عن أن يكون عدو نفسه!

البيان

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المركز العربي للدراسات الأمريكية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

إغلاق
إغلاق