مقالاتالمجالس التشريعيةالإنتخابات

أيهما أهم الجمهوري أم الديمقراطي

بقلم: ياسر الغسلان

تلقيت العديد من الأسئلة والتعليقات على مقالي المنشورة في هذه الزاوية الأسبوع المنصرم، والذي حمل عنوان «ماذا يعني فوز الديمقراطيين»، حيث ركز عدد من تلك التعليقات على محاولة اعتبار فوز الديمقراطيين بمجلس النواب على أنه لا يؤثر حقيقة في سياسيات أميركا تجاه الشرق الأوسط والسعودية تحديدا، انطلاقا من كون الجمهوريين ما زالوا يحتفظون بمجلس الشيوخ، وهو رأي فتح المجال للبعض الآخر في توجيه سؤال تفصيلي عن أي من المجلسين أهم، وأيهما أقوى، وأيهما أكثر تأثيرا في القرارات السياسية للولايات المتحدة؟.
شخصيا أتفهم السبب الذي يدعو كثيرين لتوجيه هذا السؤال، والدفاع عن منطقية كون أحدهما يجب أن يكون أهم وأكثر تأثيرا من الآخر، على اعتبار أننا تعودنا دائما على فكرة وجود مرجع واحد يملك القوى الفاصلة، والذي لديه الأحقية المتفق عليها في اتخاذ القرار النهائي، إلا أن النظام السياسي الأميركي يختلف قليلا عن غيره، على اعتبار أن القوى التي تحكم أميركا مقسمة بين ثلاث سلطات، ليس لإحداها سطوة على الأخرى إلا بمقدار ما للأخرى من سطوة على إحداها، مع وجود أساس رئيس في الحكم هو أن الأغلبية ليس لديها الحق في التفرد بالحكم مهما كانت نسبة قبول المجتمع لها، فالأقلية في النظام السياسي الأميركي لها حقوق يكفلها الدستور، وإن لم تر هوى الأغلبية.
ولْنعُد لسؤال «أيهما أهم وأكثر تأثيرا في السياسة الأميركية، مجلس الشيوخ أم مجلس النواب»، وللإجابة عن ذلك علينا أن نقول في البداية إن هناك تصورا عاما لدى كثيرين على أن مجلس الشيوخ المكون من مائة عضو هو الأقوى بين المجلسين، حيث يمثل كل ولاية عضوان، بينما يمثل الولايات في مجلس النواب المكون من 435 عضوا نواب يتفاوت عددهم بتفاوت عدد سكان الولاية، فولاية «وايومنغ» مثلا لديها نائب واحد، بينما ولاية كاليفورنيا لديها ثلاثة وخمسون نائبا.
فمن حيث أهمية العضو، ولا أقول المجلس بشكل عام، فإن عضو مجلس الشيوخ أهم، لأن مدته التي يخدم فيها هي ست سنوات، بينما في مجلس النواب مدة العضوية سنتان، وعليه فقدرة عضو الشيوخ على التأثير أطول، وبالتالي فهو أهم كفرد من عضو مجلس النواب، بينما على الطرف الآخر فإن الميزانيات الحكومية باختلاف طبيعتها تعتمد في مجلس النواب، وعليه فإن دور العضو في النواب أهم لأنه قادر على تعطيل الجانب الذي يحرك الحكومة، وبالتالي لديه القدرة في شلها وتعطيل مصالحها.
كما أن مجلس النواب هو الوحيد الذي يملك الحق الدستوري في الدعوة لمقاضاة الرئيس بهدف عزله، ويقوم بدور المدعي العام الذي يعمل على تقديم الإثباتات التي تحاول أن تدين الرئيس وربما شيطنته وتشويه سمعته، في حين يقوم مجلس الشيوخ بدور هيئة المحلفين الذين يصدرون القرار النهائي، وفي هذا الأمر يبدو أن المجلسين متعادلان من حيث القدرة على التأثير، فلا يستطيع مجلس أن يمرر قرار العزل بمفرده، إلا إذا اعتبرنا المقاضاة التي يقوم بها مجلس النواب وسيلة لتحطيم مستقبل الرئيس في حال كان سيترشح لمدة رئاسية ثانية، ففي هذه الحالة فإن النواب يمكن النظر لدورهم بأنه أكثر تأثيرا.
من جانب آخر، فإن الشيوخ هو المجلس الذي يقوم بالموافقة على ترشيحات الرئيس للمقاعد الوزارية والرسمية العليا للحكومة الأميركية، بمن فيهم أعضاء المحكمة العليا، إضافة لكون المجلس هو الذي يقوم بالموافقة على المعاهدات الدولية، بينما يمكن لأي من المجلسين أن يحظر مشروع قانون يقترحه الطرف الآخر، إلا أن المجلسين بشكل عام دائما ما يصلان إلى حل في حال كانا مختلفين، وهي حالة يميل احتسابها على أنها قد تكون من نقاط القوى لدى مجلس النواب على الأقل من الناحية التاريخية.
إعلان الحرب لا يمكن إصداره إلا بموافقة المجلسين، إضافة لاعتماد تعيين نائب الرئيس كرئيس للبلاد عندما يصبح منصب الرئيس شاغرا كما حدث مع الرئيس فورد بعد استقالة الرئيس ريتشارد نيكسون إثر فضيحة «ووترغيت»، إلا أن مجلس النواب لديه الحق الحصري في تحديد من يكون الرئيس في حال أسفرت انتخابات الرئاسة عن تعادل أصوات «المجمع الانتخابي».
هذه بعض النماذج التي لا أتصور أنها ترسم الصورة الكاملة حول أي من المجلسين أهم من الآخر، وإن كنت أميل إلى الرأي الذي يقول بأن هناك آلية ممنهجة غير معلنة بالضرورة تعمل على خلق التوازن بين المجلسين، بحيث لا يتحكم أحدهما بالآخر، ولكن إذا ما نظرنا للموضوع من حيث المصلحة التي ينطلق منها الإنسان فإني قد لا أعارض الرأي الذي يميل للقول بأن مجلس الشيوخ أهم في الأمور التي ترتبط بالشأن العالمي عبر الدور الريادي في السياسة الأميركية التي تقوم بها لجان المجلس المختلفة، خصوصا لجنة العلاقات الخارجية ولجنة الشؤون الأمنية أو الاستخباراتية أو الدفاعية، في حين تركز اللجان التابعة لمجلس النواب والمجلس بشكل عام على المناورة والضغط، ومحاولة التحكم بسياسات الرئيس التي لها تأثير داخلي، أو تلك التي لها تأثير على المواطن الأميركي على المدى القصير والمتوسط والطويل؟.

نقلا عن الوطن

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المركز العربي للدراسات الأمريكية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

إغلاق
إغلاق