ماذا يريد ترامب من الاقتصاد العالمي؟

لم تمر سوى ساعات معدودة على انتهاء مرحلة التفاوض المستأنفة بين الجانبين الأمريكي والصيني بشأن الرسوم الجمركية والتجارة بين البلدين بعد توقف دام لثلاثة أشهر، حتى فاجأ الرئيس الأمريكي الاقتصاد العالمي بصدمة جديدة قد لا تكون الأخيرة مع استمراره داخل البيت الأبيض.
وجاءت الصدمة الجديدة بفرض رسوم جمركية جديدة على السلع الصينية الواردة إلى الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 10 في المئة اعتباراً من أول سبتمبر المقبل، وهو الشهر ذاته الذي من المقرر أن تعقد فيه جولة جديدة من المحادثات بين البلدين.
ويشير قرار الرئيس الأمريكي إلى محاولة جديدة للضغط على الصين حتى تسرّع عمليات شراء محاصيل زراعية جديدة من الولايات المتحدة لأجل وصول أمريكا إلى حالة من التوازن في الميزان التجاري مع الصين، وهو ما وعدت به بكين في قمة العشرين بداية الشهر الماضي، من دون اتخاذ إجراءات تنفيذية على أرض الواقع وفق ما تراه واشنطن.
وقال ترامب متحدثاً إلى الصحافيين في البيت الأبيض يوم الجمعة إن على الصين أن تفعل الكثير من أجل إحداث تحوّل في مسار مفاوضات التجارة مع الولايات المتحدة وإنه يمكنه زيادة الرسوم الجمركية على بضائع صينية، مضيفاً أنه يجب على الولايات المتحدة أن يكون لديها اتفاق تجاري أفضل مع الصين وليس فقط اتفاقاً متكافئاً.
وتنعكس التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم على مؤشرات الاقتصاد العالمي كاملاً بما يجعل ثمن تغريدة واحدة للرئيس الأمريكي هو خسارة مليارات الدولارات لأسواق المال العالمية وتخفيض مباشر لتوقعات معدلات النمو العالمي، إذ إن تعرض صادرات الصين إلى السوق الأمريكي للضغوط يقود إلى تراجع في حجم التجارة الخارجية للصين والأمر نفسه بالنسبة للولايات المتحدة حيث ترد الصين برسوم مماثلة.
ويبرر تراجع الصادرات بين البلدين انكماش حركة التجارة العالمية التي تنعكس مباشرة على الإنتاج الصناعي المعتمد في تسويق منتجاته على الأسواق الخارجية التي تحد تلك الحروب التجارية من قيمتها في الوقت الحالي، وربما تزيد أكثر مع بداية سبتمبر بفرض رسوم أمريكية جديدة على الواردات الصينية، وتوقع أن تقوم الصين برد مماثل.
ويرى الرئيس الأمريكي وفقاً لتغريدة منتصف الأسبوع الماضي أن بكين تحاول كسب المزيد من الوقت دون الوفاء بأي التزامات تجاه واشنطن، معتبراً أنها تراهن على خروجه من البيت الأبيض في العام المقبل، وهو ما جعله يزيد ضغوطه قبل نهاية ولايته الأولى ويهدد إما بالتوصل إلى اتفاق أو الخروج دون اتفاق مطلقاً.
أما على الجانب الآخر، فبكين ليست الطرف الأضعف في معادلة ترامب، فهي القوة الاقتصادية التي لا تستطيع واشنطن الاستغناء عنها بفضل ما تمد به الصناعات الأمريكية من مكونات رئيسة، وفقاً لما أعلنته شركات أمريكية طالبة استثناء من الرسوم الجمركية لوارداتها من الصين لأن تلك الرسوم تضغط على تكلفة المنتجات الأمريكية، وبالتالي ترتفع أسعارها على المستهلك مع تراجع في هوامش ربحية الشركات الأمريكية التي تضخ أموال الضرائب في شريان الاقتصاد الأمريكي.
ونلمس ذلك في قول سفير الصين لدى الأمم المتحدة تشانغ جون يوم الجمعة إنه إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تقاتل بلاده بشأن التجارة «فإننا عندئذ سنقاتل»، مشيراً إلى أن بكين مستعدة لاتخاذ إجراءات مضادة إذا فرضت واشنطن رسوماً جمركية جديدة، واصفاً تحرك ترامب بأنه «تصرف غير رشيد وغير مسؤول».
ويفسر كل ما سبق التحركات الحادة للأسواق المالية العالمية فمؤشرات أسواق الأسهم الآسيوية منيت بخسائر مباشرة مع قرار فرض رسوم جمركية جديدة بنسب تجاوزت 2 في المئة، وكذلك هبطت أسعار النفط يوم الخميس بأعلى نسبة تراجع يومية منذ ما يقرب من أربع سنوات حيث انخفض سعر الخام بنسبة بلغت سبعة في المئة قبل أن تتحسن قليلاً في تعاملات نهاية الأسبوع، إذ يرتبط الطلب على النفط ارتباطاً وثيقاً بمعدلات التجارة والتصنيع العالمية المهددة بتلك الحرب التجارية.
وبالرغم من تعديل صندوق النقد الدولي لتوقعات نمو الاقتصاد العالمي في العام الجاري والمقبل مخفضاً توقعاته وفق تلك المعطيات، إلا أن المزيد من توقعات التخفيض والتأثير على الاقتصاد العالمي لا تزال قائمة مع قرارات ترامب المفاجئة.
وقال صندوق النقد الشهر الماضي إن المخاطر اشتدت وإنه أصبح يتوقع نمو الاقتصاد العالمي 3.2 في المئة في 2019 و3.5 في المئة عام 2020، بانخفاض 0.1 نقطة مئوية لكلا العامين مقارنة بتوقعاته في أبريل الماضي، وفي خفض هو الرابع له منذ أكتوبر الماضي.
وتشير البيانات الاقتصادية منذ بداية العام وتباطؤ التضخم إلى نشاط أضعف من المتوقع، حسبما ذكر الصندوق، في حين تنطوي التوترات التجارية والتكنولوجية وضغوط انكماش الأسعار المتنامية على مزيد من المخاطر المحتملة في المستقبل.
نقلا عن الرؤية