اقتصاد

الصناعات الأمريكية تتعثّر والبيت الأبيض يصر على متانة الاقتصاد

بدأ الانتعاش الذي شهدته الصناعات الأمريكية يتداعى في عهد الرئيس دونالد ترامب رغم وعوده الكثيرة، بعد التحسن الذي شهده القطاع لفترة وجيزة خلال سنواته الأولى في السلطة.

وبدأت مصانع السيّارات والصُلب تغلق أبوابها، في وقت تعلن الشركات تسريح موظفين ومنحهم إجازات دون راتب. بل ان إنتاج بعض المصانع وصل إلى مرحلة الخطر.

وتبدو التوقعات لنهاية العام غير مطمئنة، مع تزايد المخاوف من احتمال دفع حروب ترامب التجارية مع الصين وأوروبا، عبر فرض رسوم جمركية على منتجات بقيمة مليارات الدولارات، أكبر قوة اقتصادية في العالم في اتّجاه الركود على وقع تباطؤ الاقتصاد العالمي.

وتشكّل سوداوية المشهد في مناطق البلاد التي أهدت ترامب الفوز بفارق ضئيل عام 2016 مصدر القلق الأبرز بالنسبة للرئيس، في وقت يسعى الى الفوز بولاية ثانية العام المقبل، لكن يبدو أن البيت الأبيض غير مستعد للإقرار بذلك.

ففي الشهر الماضي، ومع تباطؤ خلق فرص عمل جديدة وتراجع ثقة المستهلكين والمؤشرات الرئيسية وتباطؤ نشاط المعامل، هاجم ترامب الديموقراطيين والاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) وكل شيء – عدا سياسته التجارية – متّهمًا وسائل الإعلام بـ»استجداء» حدوث ركود. وقال في مؤتمر صحافي الخامس والعشرين من الشهر الماضي «ارتفع مؤشر مديري المشتريات الصناعي بشكل ملموس. بلدنا أقوى اقتصاديًا من أي وقت مضى».

لكن في الواقع، تراجع مؤشر «معهد إدارة التوريد الصناعي» – الذي يعتبر مقياس صحة المصانع الأمريكية الأكثر متابعة – إلى مستوى الخطر في أغسطس/آب لأول مرّة منذ ثلاث سنوات. وبعد أسبوع من تصريحات ترامب، تراجع إلى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.

وقال تيم فيور، رئيس لجنة المسح التجاري في «معهد إدارة التوريد الصناعي»، ان التراجع هذا العام كان الأشد خلال القرن برمته.

وتابع القول «إنه أشبه بهبوط»، محذّراً من تزايد مخاطر حدوث ركود. وأفاد «أعتقد أنه إذا بقينا تحت 50 (في المئة) لعدة أشهر إضافية، فلن يكون الأمر جيداً كثيراً».».

واعتباراً من أغسطس، انخفض عدد العاملين في قطاع الصناعة في كل من ولايات ويسكنسن، وبنسيلفانيا، وكارولاينا الشمالية، وميشيغان مقارنة بأواخر العام 2018، حسب بيانات وزارة العمل.

وحقق ترامب في هذه الولايات، التي تعد غاية في الأهمية خلال الانتخابات، هامش فوز في 2016 بلغ أقل من 78 ألفا من نحو 14 مليون صوت.

لكن في تصريحات غاضبة على التلفزيون اتّهم بيتر نافارو، كبير مستشاري ترامب في مجال التجارة، وسائل الإعلام بـ»التغنّي» بتراجع الاقتصاد. وقال عبر شبكة «سي.إن.بي.سي» التليفزيونية «الاقتصاد في عهد ترامب قوي كالصخرة. والصناعة قوية كالصخرة».

واعتبر أن الحديث عن خسارة الوظائف في بنسيلفانيا هو مجرّد تعامل «انتقائي مع المعلومات» والأرقام.

وفي مقاطعة أوسينا في ولاية ميشيغن، حيث ازداد الدعم للجمهوريين في انتخابات 2016، أعلن معمل لصهر الفولاذ تديره شركة «وابتيك» لصناعة القطارات الشهر الماضي أنه سيغلق أبوابه بحلول نهاية العام وسيسرّح 61 عاملاً بسبب «تراجع الظروف بالنسبة للأعمال التجارية».

وفي وقت سابق خلال الصيف، سرّح معمل «إن إل إم كي- يو إس أيه» الروسي للفولاذ نحو مئة مستخدم في مقاطعة ميرسر الرائدة في هذا المجال في بنسيلفانيا، عازيا الخطوة إلى الرسوم التي فرضها ترامب على ألواح الصُلب المستوردة التي يعالجها المصنع.

وناشد عضو الكونغرس مايك كيلي المؤيد لترامب البيت الابيض المساعدة لكن بدون جدوى.

ودعمت مقاطعة ميرسر ترامب بشكل كبير في 2016، حيث ساهمت الأصوات الكثيرة التي حصل عليها في منحه أغلبية على نطاق الولاية. وأظهرت بيانات من معهد «بروكينغز» أنه على صعيد البلاد، تبدو المقاطعات الجمهورية الأكثر تأثّراً بتراجع الصناعة.

ويبدو المشهد صارخًا أكثر في الولايات التي تلعب دوراً حاسمًا في المعركة الانتخابية. ففي مقاطعات ويسكنسن وميشيغن التي فاز فيها ترامب، تشكّل الصناعة ما يقارب وظيفة من كل خمس. أما في مناطق الديموقراطيين، فلا تشكّل إلا نحو وظيفة من كل عشر.

ويشير مارك مورو، من معهد «بروكينغز»، إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار «مدى قدرة الاقتصاد على تشكيل السلوك السياسي – وهو أمر قد لا يحدث في هذه المرحلة (…) قد يكون هذا التباطؤ غير مناسب» بالنسبة لترامب.

وقالت أوليف ماكيثان، رئيسة بلدية فاريل في بنسيلفانيا حيث يوجد معمل «إن إل إم كي» للفولاذ إان عمليات تسريح الموظفين شكّلت ضربة كبرى للناخبين في مدينتها.

وحمّلت ترامب ورسومه الجمركية المسؤولية. وقالت «آمل ان يكون جميع من صوتوا للرئيس الـ45 (للولايات المتحدة) سعيدين» بخيارهم.

لكن الجمهوري ماثيو ماكونيل، رئيس مجلس مفوّضي مقاطعة ميرسر الذي كان نفسه عاملاً في مجال الصلب، اعتبر ان التأييد لترامب لم يتضاءل، وقال «إذا تمّت الانتخابات اليوم، فسيكون هناك دعم أكبر لترامب». وأضاف أن مواجهة ممارسات الصين التجارية غير المنصفة هو أمر ضروري.

وقال أيضا «لم تكن لديه أي نوايا سيئة تجاه موظفي +إن إل إم كي+، لكن كشخص مهتم بالأعمال التجارية يجد أحيانًا ضروريا اتّخاذ قرارات تصب في مصلحة الأغلبية» على حساب البعض.

ا ف ب


الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المركز العربي للدراسات الأمريكية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

إغلاق
إغلاق