العلاقات الدولية

كيف ينظر بايدن إلى الشرق الأوسط؟

بقلم: عزت إبراهيم

في برنامج حملته الانتخابية تحت عنوان “تجديد القيادة الأمريكية لتعبئة العمل العالمي بشأن التهديدات العالمية” وفي مقال بدورية “فورين أفيرز” الأمريكية تحت عنوان “لماذا يحب أن تقود أمريكا من جديد؟” في مارس الماضي، قدم “جوزيف بايدن” المرشح الديمقراطي لمنافسة الرئيس الجمهوري “دونالد ترامب” رؤيته للسياسة الخارجية، والتي لا تخرج كثيرًا عما سبقه إليه مرشحون ديمقراطيون آخرهم “باراك أوباما” الذي كان “بايدن” نائبًا له لمدة ثماني سنوات في البيت الأبيض. 

وفي تلك الرؤية لم يشغل الشرق الأوسط الكثير من تفكير المرشح الديمقراطي، لأن شغله الشاغل هو كيفية استعادة “القيادة الأمريكية” لدورها في العالم. يقول “بايدن”: إنه “منذ اليوم الأول لإدارة بايدن سيكون لدى الدول الأخرى مرة أخرى سبب للثقة واحترام كلمة الرئيس الأمريكي”. ثم أردف قائلًا: “من خلال العمل معًا، يمكن للديمقراطيات أن تواجه صعود الشعبويين والقوميين والديماجوجيين والقوة المتزايدة للسلطات الاستبدادية وجهودها لتقسيم الديمقراطيات والتلاعب بها؛ والتهديدات الفريدة لعصرنا، بما في ذلك التهديدات المتجددة للحرب النووية، والهجرة الجماعية، والآثار المدمرة للتكنولوجيات الجديدة، وتغير المناخ”. ثم يأخذ “بايدن” في مغازلة الداخل الأمريكي على وقع ما يقوله الرئيس “ترامب” فيقول: “إنهاء الحروب إلى الأبد: في أفغانستان والشرق الأوسط، والتي كلفتنا الكثير من الدماء والثروة.. وسيعيد الغالبية العظمى من قواتنا إلى الوطن من أفغانستان، ويركز مهمتنا على القاعدة وتنظيم داعش. وسوف ينهي دعمنا للحرب التي تقودها السعودية في اليمن. إن البقاء في صراعات لا يمكن كسبها يستنزف فقط قدرتنا على القيادة في قضايا أخرى تتطلب اهتمامنا، ويمنعنا من إعادة بناء الأدوات الأخرى للقوة الأمريكية”.

يتأرجح “بايدن” بين التلويح بالقوة وبين استخدام أدوات أخرى لاستعادة سطوة الولايات المتحدة على الساحة الدولية، وهي بالضبط ما تفسره كلمات “جوزيف ناي” -عالم السياسة الشهير- في مقاله بخدمة “بروجيكت سيدنيكيت” بتاريخ ٥ يونيو ٢٠٢٠، عندما قال: “وقد اختلف الأمريكيون دائمًا حول كيفية التعبير عن القيم الليبرالية في السياسة الخارجية. كان الاستثناء الأمريكي أحيانًا ذريعة لتجاهل القانون الدولي، وغزو دول أخرى، وفرض الحكومات على شعوبها. لكن الاستثناء الأمريكي أيضًا ألهم الجهود الليبرالية العالمية من أجل عالم أصبح أكثر حرية وسلمًا من خلال منظومة القانون الدولي والمنظمات الدولية التي تحمي الحريات الداخلية عن طريق تخفيف التهديدات الخارجية”. ويشير “ناي” إلى أن الرئيس “ترامب قد أدار ظهره لكلا الجانبين من هذا التقليد”.

في ظل تلك الحيرة، يرسم فريق “بايدن” السياسة الخارجية بكثير من الغموض والبعد عن وسائل الإعلام لأنها تفتح أبوابًا لا يريد المرشح الديمقراطي الدخول فيها اليوم. ما يميز “بايدن” عن “ترامب” هو انخراطه على مدى أكثر من ٤٥ عامًا في الدبلوماسية والسياسة الأمريكية في سائر الشرق الأوسط، سواء كنائب لأوباما أو قبلها كسيناتور في مجلس الشيوخ من عام ١٩٧٣ وحتى ٢٠٠٩. “بايدن” مؤيد قوي لإسرائيل طوال حياته السياسية، ووصف نفسه بأنه صهيوني، ويقول إن التزامه بأمن إسرائيل “صارم”، وفيما يعد بممارسة “ضغط مستمر” على إسرائيل لحل صراعاتها، فإنه لن يوقف المساعدات التي تحصل عليها. ويدعم المرشح الديمقراطي حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والذي يقول إن نهج “ترامب” الأحادي قد جعل الوصول إلى تسوية على أساس الدولتين أكثر صعوبة. ولكنه يدعم إبقاء السفارة الأمريكية في القدس بعد أن نقلها “ترامب” إلى هناك في 2018. ويعود في موضع آخر إلى لعبة المتناقضات فيقول إن على إسرائيل أن توقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة وأن تقدم المزيد من المساعدة لغزة، في حين يتعين على القادة الفلسطينيين أن يوقفوا “تمجيد العنف”. ويدعو الدول العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وينتقد حركة المقاطعة لإسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وهي المبادرات العالمية التي تسعى إلى ممارسة ضغوط اقتصادية على إسرائيل. ويقول “بايدن” إنها “تنحرف إلى معاداة السامية”.

وبشأن الملف الإيراني، فإنه يصف إيران بأنها قوة “مزعزعة للاستقرار” في المنطقة، ولا يجب السماح لها بتطوير أسلحة نووية. ويقول إن نهج “ترامب” تجاه إيران “كارثة”، بحجة أن انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 فشل في منع طهران من تطوير برنامجها النووي، ويتعهد بإعادة الانضمام إلى الاتفاقية إذا عادت إيران إلى الامتثال.

ويدين “بايدن” سحب “ترامب” للقوات الأمريكية من شمال سوريا، وهو ما يسميه خيانة للأكراد، ويقول إن تركيا “يجب أن تدفع ثمنًا باهظًا” لحملتها العسكرية في الأراضي الكردية السورية دون أن يُحدد صراحة موقفه من بقية السياسات التركية. ويُبدي قلقه بشأن إبقاء الولايات المتحدة أسلحة نووية في تركيا. وكان “بايدن” -أثناء حكم “أوباما”- قد اقترح دعمًا أقوى للمعارضة الداخلية ضد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، ثم عاد واعتذر علنًا عن تصريح سابق قال فيه إن تركيا تدعم تنظيم “داعش”. وقد أبدى “بايدن” شكوكًا إزاء إرسال قوات أمريكية إلى سوريا أثناء توليه منصب نائب الرئيس، وقال إن أي استخدام كثيف للقوة ستكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها، ثم عاد في عام 2018، ووصف سوريا بأنها واحدة من أكبر الألغاز في السياسة الخارجية الأمريكية.

ويحمل “بايدن” تاريخًا طويلًا وممتدًّا في التعامل مع سياسة بلاده في العراق؛ فقد دعم غزو الرئيس “جورج دبليو بوش” للعراق عام 2003، لكنه عارض زيادة القوات الإضافية عام 2007. وعوضًا عن مقترح إرسال قوات دعم، اقترح “بايدن” تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق تتمتع بالحكم الذاتي وهو ما أثار موجة انتقادات عنيفة في وقتها. وبصفته نائب الرئيس، أشرف المرشح الديمقراطي على انسحاب القوات الأمريكية المتبقية البالغ عددها ١٥٠ ألف جندي في عام ٢٠١١، ثم عودة القوات الأمريكية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2014.

ويميل “بايدن” إلى توجيه انتقادات للسعودية من وقت إلى آخر، وهو ربما ما يفسر ارتفاع شعبيته في الأوساط الإعلامية القطرية والتركية، حيث قال إنه يريد “إعادة تقييم” الدعم الأمريكي للسعودية في أعقاب مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، والحرب التي قادتها السعودية في اليمن، وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد شارك “بايدن” في دعم دخول السعودية حرب اليمن خلال وجوده في الإدارة السابقة، إلا أن “بايدن” اليوم يقول إن على واشنطن إنهاء مشاركتها في “الصراع الذي لا يمكن الفوز به”. ويقول أيضًا إنه سيوقف مبيعات الأسلحة إلى المملكة، وسيعامل الرياض على أنها “منبوذة” على المسرح العالمي، وهي التصريحات التي تلقي ترحيبًا في دوائر بعينها، خاصة أن سجله يتضمن توجيه انتقادات للسعودية وحمّلها مع دول حليفة أخرى المسئولية عن تدفق الموارد إلى تنظيم الدولة.

ويمكن بسهولة رصد غياب مصر عن المواقف المعلنة لحملة “جوزيف بايدن”، والمرة الوحيدة التي تحدث فيها كانت في يناير الماضي عندما انتقد وضع سجين أمريكي من أصل مصري. ولم تأتِ البرامج المعلنة من الحملة على توصيف جديد للعلاقات المصرية-الأمريكية؛ إلا أن وجود الكثيرين من مجلس الأمن القومي في عهد “أوباما” وما يسمى بـ”مجموعة عمل مصر” في الدائرة القريبة من “بايدن” يمكن أن يمثل عنصر توتر في العلاقة مع المرشح الديمقراطي في ظل تمسك تلك المجموعات بوجهات نظرها فيما يتعلق بالوضع في مصر بعد الثورة الشعبية في ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وعدم التزحزح عن المواقف الداعمة لتيار الإسلام السياسي رغم ما يمثله هذا التيار من خطورة على التماسك الاجتماعي في عدد من الدول العربية.

نقلا عن المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية

اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المركز العربي للدراسات الأمريكية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

إغلاق
إغلاق