دراسات النظام السياسي

كيف يفوز ترامب والحزب الجمهوري في إنتخابات٢٠٢٠


خاص بالمركز العربي للدراسات الأمريكية

بقلم: ياسر الغسلان

الحزب الجمهوري الذي دائماً ما يتفاخر أعضاؤه بأنه (حزب الرئيس لينكون) أول رئيس أمريكي جمهوري، تأسس عام ١٨٥٤ ويشار إليه إختصارا بـ(GOP) وهي الحروف الأولى من الوصف الإنجليزي لعبارة (Grand Old Party – الحزب القديم العظيم) يمر اليوم وربما من قبل وصول الرئيس دونالد ترامب للبيت الأبيض بحالة من التجدد الداخلي الذي يعتقد البعض أنها أصبحت الجذر الذي سيستمر عليه الحزب من الآن فصاعدا في حين يرى البعض أنها مجرد مرحلة إنتقالية، فالحزب الذي تأسس للمطالبة بإلغاء العبودية والدفاع على الإتحاد الأمريكي أمام محاولات التقسيم التي واجهها الرئيس إبراهام لينكون في الحرب الأهلية، كما أن الحزب بقي لعقود طويلة الحزب الذي يتبنى مبادئ واضحه ويدافع عنها بشراسة من قبيل إقتصاد السوق وتحديد إتساع عمل الحكومة إضافة للعمل على أهمية تحديد مدد خدمة الرسميين والدفاع عن مبادئ الأسرة المحافظة وغيرها من المبادئ السياسية والإجتماعية والإقتصادية.

تعيش أمريكا اليوم موسم الإنتخابات الرئاسية في أجواء ربما لم تشهدها منذ عقود من انقسام وإصطفاف حزبي وعقائدي بين يمين جمهوري محافظ ويسار ديمقراطي ليبرالي يوصف في كثير من الأحيان باليساري يسعى إلى إجراء تعديلات جذرية على منهج دولة إعتادت قواه السياسية من الجانبين على منهج الإعتدال في التعاطي مع المواقف بين توجهات حزبين مختلفين لكنهم قبلوا عبر التاريخ على العمل ضمن مساحة في الوسط تتيح لهما العمل المشترك، هذا الحال الذي كان عليه التنافس السياسي في الماضي تبدل منذ أن قدم ترامب حيث أصبح الوسط يضمحل تدريجاً حتى أصبحت السمة التي يوصف بها الحزبين تنحو بإتجاه التطرف بالإتجاهين.

تابعت خلال السنوات الأربع الأخيرة تقلبات وتجاذبات الحزب الجمهوري الذي يرمز له باللون الأحمر وذلك في مواقفه السياسيه وفي علاقته مع الرئيس ومع خصومهم الديمقراطيين الذين يرمز لحزبهم باللون الأزرق وحتى مع الإعلام ووسائله المختلفة، وتوصلت إلى أن فهم واقعه يتطلب الغوص أكثر في تفاصيله ومحاولة فهم تأزماته وتطلعاته من خلال تحليل ما يأمله الجمهوريون أنفسهم لحزبهم في الفترة القادمة وتحديداً في السباق الرئاسي والذي قد يكون نقطة مفصلية لمستقبله على الأقل المنظور منه، خصوصا وأن الحزب الذي يترشح عنه ترامب للرئاسه في هذا الموسم المحتدم يختلف كثيراً عن واقع واقعه في السباقات الرئاسية السابقة على الرغم من التشابه الظاهر الذي قد يعطي إنطباع لدى المراقب العابر أنه واقع لا يختلف كثيراً عن ما كان عليه في الماضي.

بين الإستفتاء على ترامب وبين إختيار الأصلح

هناك إتجاه لافت بين الإستراتيجيين الجمهوريين الذين يضعون الخطط ويدفعون نحو سياسيات محافظة تخدم الأجندة الجمهورية التقليدية من يرى بأن أفضل رسالة يمكن ان يقوم بها الجمهوريون في موسم الإنتخابات هذا هو العمل على الدفع نحو تحويل الإنظار عن ما يحاول أن يفعله الديمقراطيون من صبغ هذه الإنتخابات بإعتبارها إستفتاء علي شخصية ترامب وتحويل الأنظار بكونها إنتخابات مصبوغة بفكرة  الإختيار بين متنافسين مبنية على أسس الإقتصاد وكيف يمكن اعادة بناءه في المرحلة القادمة والتأثير في هذا المكون المهم كما يرون على الناخب وبالأخص في الولات المتأرجحة التي ستحسم بشكل كبير الفائز في نوفمبر.

الرسالة الإقتصادية التي يجب أن يعمل عليها اليوم الجمهوريون وحملة ترامب على وجه الخصوص هي أن واقع الإقتصاد اليوم أفضل مما كان عليه في بداية أزمة جائحة كورونا، وان تكون رسالة ترامب الأساسية التي يجب أن يركز عليه ويعمل على أن يقنع بها الناخب عبر ترديدها بشكل مستمر هي ( من تثقون في قدرته على النهوض بالإقتصاد أنا أم بايدن؟).

كورونا وصناعة رئيس المستقبل

يتفق الكثير من الإستراتيجيين الجمهوريين والمحللين المستقلين بخصوص الحديث على الجائحة على أن على الحزب أن يبعث بعض الأمل في نفوس الناخبين ولكن مع الحذر من التقليل من خطورة ما حدث ويحدث وتأثير ذلك على الإقتصاد، فالمؤشرات الإقتصادية تتوقع أن يفلس ٢٥٪ من المطاعم علي مستوى البلاد وما يعنيه ذلك في حدوده من خسائر في الوظائف وتأثيره التراكمي على سلسلة إقتصادية معقدة من الموردين و المستفدين ومقدمي الخدمات، ناهيك عن ما يعنيه ذلك على المستهلك ذاته، فوفق هذه الحقائق يجب على الحزب وعلي الرئيس تحديداً المعروف عنه المكابرة وعدم التراجع أن يعترف ببعض الأخطاء التي حدثت أثناء العمل في محاولة معالجة الأزمة، والتركيز على أنها كانت أخطاء منحت ذخير ناجعة تم التعلم منها في تطبيق إجراءات المعالجة اللازمة اللاحقة، كما يجب ان يتم التركيز على أهمية خطاب التوحد الوطني من أجل الوصول للكفاءة والقدرة العملية المطلوبة لتجاوز الجائحة ومشكلتها.

في سياق جائحة كورونا كذلك والتي لا شك أنها تعد التحدي الأهم اليوم وتحدد بشكل كبير أجندة الصراع السياسي بين الحزبين خصوصاً وهي حديث المجتمع بكافة شرائحه وتجاذبه السياسية والحياتية وما أحدثته من تأثير على شكل وطريقة الإنتخابات ذاتها، لابد من التركيز في الحديث عن العمل الدؤوب الجاري للوصول للقاح وعلاج للفايروس وتعظيم مشروع ترامب الذي يعرف بـ (حق تجريب الأدوية) وهو ما لاحظناه بالفعل يتجلي في كلمات عدد المواطنين الأمريكيين الذين ظهروا ضمن فقرات مؤتمر الحزب الجمهوري وما قالوه عن كون تجريب الأدوية غير المعتمدة للمرضى على ذوي الحالات الحرجة ساعد في إنقاذ حياتهم.

يجب أن يتشكل الخطاب الحزبي والرئاسي حول ما قام به الرئيس لمواجهة كورونا بشكل يتجاوز النقاط التي يرددها بشكل مستمر من قبيل ما قام به حول إيقاف الطيران الدولي وهجومه على الصين كمصدر للفيروس، فذلك كما يبدو لم يعد قادراً على التأثير والإقناع إلا على قاعدته الإنتخابية، بينما يحتاج الرئيس إن هو أراد المنافسة أن يقنع الناخب المتأرجح و المستقل، والأشهر الثلاثة المتبقية تعد فرصته الوحيدة لأن يصل لجميع الأمريكيين وبناء دعم إنتخابي يكفيه لتجاوز إختبار التجديد، في حين الفرصة الأكبر للرئيس لتحقيق ذلك هي من خلال ظهوره في مؤتمر الحزب الجمهوري والذي سيوفر له عشرات الملايين من المتابعين ويتيح له الفرصة لإيصال رسالته والسيطرة على محتواها دون تدخل الإعلام أو تضليل الخصوم.

هل يجب أن يتغير ترامب ؟

من الأهمية بمكان أن يلتزم الرئيس ترامب خلال أيام المؤتمر وقدر المستطاع في المرحلة اللاحقة بخطاب ممنهج مصاغ بشكل إستراتيجي ومنظم بعيداً عن الإرتجال الذي يطغى على خطاباته وان لا يحيد كثير كما جرت العادة وان تكون خطاباته مركزة.

 يبقى السؤال هنا هل يمكن لترامب الإلتزام بخطاب وخط حزبي مخطط له من كلمات خصوصاً تلك التي تبث على الهواء، والإجابه ربما تكون أنه نظراً لأهمية الوضع وصعوبته وخطورته الراهنه لحظوظه فإنه من المتوقع ان يكون أكثر إستعداداً في الإلتزام تمامًا كما فعل في خطابات الدولية خصوصاً تلك الحساسة كما شهدنا في الرياض عام ٢٠١٧ في القمة  الإسلامية العربية الأمريكية.

وأمام من يجادل بأن أهم عوامل فوز ترامب في ٢٠١٦ هو إرتجاليته والظهور مختلفاً عن باقي السياسيين الملتزمين بخطوط حزبية محددة سلفاً، يرى العديد من الإستراتيجيين أن الفرق شاسع بين أن يكون المرشح قادم ودخيل جديد على السياسة وبين أن يكون المرشح هو الرئيس الذي يدافع عن منصبه بعد مرور اربعة سنوات من العمل بكل ما يحمله ذلك من إنجازات وإخفاقات، فترامب في ٢٠١٦ دخيل يشبه الناخب العادي و إن كان فعلياً مختلف عن الأغلبية إلا أنه في ٢٠٢٠ المسئول الأول عن كل ما جرى في البلاد منذ أن قدم، حتى إن حاول بخطاباته لصق التهم على أعداء ظاهرين وخفيين محليين ودوليين، لأنه ببساطه قيامه بتحويل الإخفاقات على الغير في حين يعيد كل إنجاز لنفسه أصبح منطق لا يقنع الناخب المحايد.

كسر حاجز الـ٤٥٪

حظوظ ترامب للفوز مرتبطة كذلك بالعمل على إعادة معدل الرضا الوطني عنه لمستوى الـ ٤٥٪  و ما أعلى مع نهاية شهر سبتمبر القادم، فإن هو تمكن من تحقيق ذلك وتخطي معدل واقعه الراهن والذي يضعه ما بين ٤٠٪ و٤٢٪ فإن فرصته للفوز بالمجمع الإنتخابي ستكون أفضل وإن كان ذلك لن يحقق له معدل مريح أو ساحق، فإن لم يتمكن ترامب من تحقيق معدل يتجاوز هامش الـ٤٥٪ فإن إعتماده على قاعدته الإنتخابية وحدها لإعادة إنتخابه كما يبدو لن يكون كافي.

التركيز على ما يتغاضى عنه الديمقراطيون

التركيز على المظاهرات الأخيرة والشغب في بورتلاند وغيرها من المدن جانب يجب أن يركز عليه مؤتمر الحزب وكذلك بشكل عام أجندة الحزب الخطابية الإنتخابية من الآن حتى نوفمبر عبر التركيز على شيطنة المخربين والدفاع عن الشرطة بدلا من خفض ميزانياتها كما يدعوا له الجناح اليساري المتشدد في الحزب الديمقراطي، وهي بالمناسبة المظاهرات التي عمل الحزب الديمقراطي على تجنب الخوض فيها عبر خطابات المرشح جو بايدن و عبر بيانات الحزب وخطابات الحزبيين الديمقراطيين و في موادهم الإنتخابية المختلفة.

الصين بلغة جديدة

إلى جانب ذلك فإن التركيز على الصين من خلال إبتكار خطاب أكثر كشفاً وعمقاً عن دورها في جائحة كورونا وتأثيرها على الإقتصاد المحلي، مع الإبتعاد عن ترديد الديباجات التي طالما كررها ترامب والتي إستهلكت قدرتها على جذب ناخبين جدد،إضافة إلى ضرورة فتح النار على الجوانب التي يخشاها بايدن والذي كان واضحاً أنه وحزبه في مؤتمرهم الحزبي تجنبوا الحديث عنه، فبادين له تاريخ في القيادة السياسية وشارك مع اوباما فيما يراه ترامب أنه السبب فيما وصلت إليه البلاد من إختلال للميزان التجاري مع الصين وتأثيرات ذلك علي الإقتصاد والوظائف في البلاد، إضافة إلى أن الصين تعد تحدي كبير لبايدن على المستوى الشخصي خصوصاً فيما يتعلق بشبهات تطاله وأبنه في الماضي وكيف يمكن أن يكون لذلك تأثير على قرارته السياسية التي تمس الوطن في حال أصبح رئيساً، فتسليط الضوء على الصين بشكل مدروس وممنهج سيخدم بلا شك ترامب كثيراً وسيقلق وربما يضر بايدن أكثر.

اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: