الجمهوريون اليوم بين إرثهم الحزبي وطائفة “الزعيم”

خاص بالمركز العربي للدراسات الأمريكية
بقلم: ياسر الغسلان
الحزب الجمهوري المعروف باعتباره الحزب الذي يؤيد المنهج المحافظ للمجتمع الأمريكي بدعمه الكامل لرؤية المتدينين وقضاياهم المركزية كالإجهاض والوحدة الأسرية إضافة لنظرته الإقتصادية الداعمة لتمكين كامل للقطاعات التجارية والصناعية، والسياسة الدافعة نحو الحد من تدخل الدولة في شئون إدارة الدولة، اختلفت فلسفته خلال السنوات، فعند تأسيسه كان الحزب يدعو لتحرير العبيد وإلغاء العبودية في حين بات اليوم مع مرور الزمن الخيار الثاني من بين الحزبين الرئيسين بالنسبة للأقليات والملونين، في مؤشر لتبدل مسار أولويات الحزب وبالتالي إنعكس ذلك على أتباعه.
ولكني هنا لا أريد أن أدخل في سرد لواقع الفكر السياسي للحزب الجمهوري تاريخياً، بل سيكون تركيزي الكامل علي واقعه الحالي وذلك في ظل إدارة ترامب الجمهورية للبيت الأبيض، بحيث يمكن النظر لهذه الدراسة أو القراءة لهذا الواقع كمرآة للمرحلة الحزبية الترامبية التي شهدت العديد من التبدلات الداخلية في أولوياتها وأسلوب عملها السياسي.
الحزب كما يراه الجمهوريون
بدلا من أن نحاول أن نفهم الحزب من الخارج علينا أن نحاول أن نفهمه من الداخل، من خلال النظرة التي يراها الجمهوريين أنفسهم لكيانهم السياسي ولأنفسهم كحزبيين حركيين ينتمون لهذا التنظيم الذي حمل وتبنى أفكاراً ومبادئ ومشاريع سياسية واضحة المعالم خلال العقود، لذلك كان لزاماً أن نسأل ونبحث عن الإجابة لسؤال جوهري هو ( ماذا يعني أن يكون الإنسان جمهوري وما الذي يؤمن به الجمهوري؟)
وأثناء البحث وجدت العديد من التعريفات و الديباجات التي ربما تندرج تحت التصنيف الأكاديمي العلمي أكثر من كونها تعريفات عملية لواقع عملي معاش في أروقة الحزب، وهي تعريفات ربما تكون صالحة في أزمنة أخرى ولكنها لا تنطبق بالضرورة على الحزب كما هو اليوم، لذلك بحثت عن رأي من يمكن أن نعتبرهم مراجعاً متحررة من السطوة الترامبية والمصالح الانتخابية في الحزب ليجيب لنا على السؤال، وعلى الرغم من أني لم أجد الإجابة المباشرة التي كنت أبحث عنها من مصدر بعينة إلا أنه لفت نظري تعليقين الأول هو لـ ”فرانك لنس“ وهو جمهوري و أحد أشهر منفذي الاستطلاعات للحزب والذين عمل ضمن أجندة الحزب ومطلع على الخطوط الإستراتيجية التي تحدد سياساته وخطابه وأهدافه، فقد قال عندما وجه له سؤال عن ماذا يؤمن به الجمهوري و ما الذي يتبناه (إنها المرة الأولى في حياتي التي لا أملك فيها إجابة لسؤال)، كان ذلك عندما سأله ”تيم البيرتا“ وهو مراسل الشؤون السياسية في صحيفة بوليتيكو ومؤلف الكتاب الشهير (اميريكان كارنيج)
يقول البيرتا ”أن البعض يرى أن الحزب الجمهوري اليوم أصبح أشبه بـ(طائفة شخصية الزعيم) وليس حزباً تقليدياً يؤمن بمبادئ ومُثل، بل أصبح المبدأ الوحيد الذي يعمل به هو الولاء للرئيس ترامب“
ماذا يعني أن تكون جمهوري اليوم
تعليق ”فرانك لنس“ لا شك أنه لم يجيب على سؤالي، وبالتالي استمر بحثي لأتلمسه وإن كنت لم اجده كما كنت أتأمل وذلك في التعليق الثاني الذي لفت إنتباهي وهو لـ ”بريندن بك“ وهو أكثر الموظفين الجمهوريين شهرة وعلاقات في الكونغرس اليوم وخلال السنوات العشرة الأخيرة وسبق له أن عمل كبير مستشاري زعيمي الأغلبية في مجلس النواب السابق (بول راين) و (جون باينر) فقد قال عن ما يؤمن به ويتبناه الحزب اليوم بأنه يمكن تلخيصه في مسألتين أساسيتين، الأولى هي أي شئ يسئ أو يقلقل أو يغضب الليبراليين واليسار ويثير الحوار بين قواعد الجمهوريين في منصات التواصل الإجتماعي خصوصاً في المسائل المتعلقة بالخلافات الثقافية بين الحزبين، بينما المسألة الثانية هي إغضاب وسائل الإعلام والحرب عليها وتحويل المواجهة معها من كونها كانت تاريخياً وسيلة جانبية قام بها الحزب في حربة السياسية إلى اعتبارها رأس الحربة والعنصر الرئيس في إستراتيجية الحزب لإثبات لا موضوعية الإعلام والخطاب المناهض للحزب و تصويرهم بإعتبارهم حزبيين محاربين ضد الجمهوريين ، بهدف شحذ القاعدة الإنتخابية الجمهورية ولإستمرار الهجوم على الإعلام والإعلاميين وتفكيك خطابهم المناهض وذلك لأن الحزب يعلم أن ما سيسمعه الناس من الإعلام حول الحزب غالباً ما سيكون سلبي ولذلك فالعمل على شيطنة ما يقولوه الإعلام حتماً سيفرغ القيمة التي يتضمنها خطابهم المعادي من محتواه.
الحزب و طائفة ترامب
عندما نقرأ ما قاله العديد من السياسيين الأمريكيين الذين نافسوا ترامب من داخل الحزب في انتخابات الحزب في ٢٠١٦ والذين كان معظمهم ينتقده بشدة ويسخر منه ولم يقبلوه كجزء من المنظومة الحزبية، نجدهم يسردون لنا قصصهم مع ناخبيهم، حيث يتفق كثيرون منهم أنه عندما عادوا لولاياتهم وتحدثوا مع ناخبيهم وجدوا أنهم يتحدثون عن ترامب وكأن بينهم وبين ترامب ”إرتباط مقدس“ وأن ولائهم الظاهر لترامب والمعبر عنه بصدق كان أقوى من أي ولاء لهم كسياسيين يمثلون مصالحهم ومصالح ولاياتهم في الكونغرس أو تجاه أى سياسي محلي، و أن الوصف الوحيد الذي يمكن لهم أن يصفوا العلاقة بين ناخبيهم وبين ترامب هو أنها (علاقة الطائفة الدينية).
يرى هؤلاء السياسيين أنه بعد أن فاز ترامب بالرئاسة أصبحت هذه الرابطة ”الطائفية” إن صح التعبير من الناخب تجاه ترامب أقوى بكثير مما كانت عليه في السابق، وبالتالي أصبح التزام هؤلاء السياسيين بالتعبير عن ولاء مشابه أمراً حتمياً، مع أهمية تجنبهم إبداء أى إعتراض تجاه الرئيس وذلك بهدف أن يضمنوا رضا الناخب عنهم ورضا الرئيس والإبقاء على مكانتهم في الحزب كما هي ودون إهتزاز، وهذا هو بالتحديد ما يمكن النظر له على أنه السبب الذي أوصل الحزب في الوقت الراهن لأن يعاد تشكله بحيث لا يمكن له أن يمضي بإتجاه المستقبل المنظور بخلاف ما يقوله وما يراه ترامب.
تقلبات السياسيين
وعلى هذا الأساس يمكن قراءة التقلبات اللافتة في مواقف بعض السياسيين الجمهوريين تجاه ترامب بين فترتي قبل وبعد الرئاسة، ولنأخذ مثال عضو مجلس الشيوخ ”ليندسي غراهام“ الذي قال على قناة فوكس في فبراير ٢٠١٦ عن ترامب المرشح أنه غير مؤهل لمنصب حكومي وأنه مجنون وأنه ليس جمهوري محافظ وإنما انتهازي، وليعود في نوفمبر ٢٠١٧ على قناة سي إن إن بعد أن أصبح ترامب رئيساً ليهاجم الإعلام ويتهمه بأنه يتبلى على الرئيس بوصفه أنه غير صالح لمنصب الرئيس و أنه مجنون، وغراهام ليس وحده في هذا التناقض بل الأمثله متعددة نذكر منها أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين ماركو روبيو وتيد كروز وريك بيري وراند بول.
يمكن قراءة هذا التناقض والتحول لغراهام وهو أحد أعمدة الحزب الجمهوري وفق مبدأ مفاده (المحافظة على الذات هو عنوان اللعبة) وهو أن السياسيين الذين يصلون لمناصب مؤثرة ويتمتعون بقدر كبير من السلطة والتأثير والقرب من متخذي القرار أغلبيتهم سيعمل أي شئ من أجل التمسك بتلك السلطة والمكانة والتأثير، فقد يغيرون مواقفهم حول سياسة أو تشريع معين أو إعلان المصالحة وتأييد شخص كان في يوم ما خصماً لهم، وحتى الظهور بشكل متناقض لدرجة مخزية، فذلك كله يستحق ثمناً من أجل الحفاظ على المكانة، واليوم بات المحافظة على الذات في الحزب الجمهوري كما يتضح هو إعلان الولاء المطلق للرئيس ترامب مهما كان الأمر، وقد وصف البعض ما يمر به السياسيون الجمهوريون اليوم بخصوص علاقتهم مع ترامب بـ(الركوع السياسي).
غياب البرنامج السياسي
الحزب الجمهوري أعلن في ١٠ يونيو ٢٠٢٠ أنه لن يصدر أي برنامج سياسي جديد بل سيتبني برنامج الحزب الذي اعتمده في انتخابات ٢٠١٦، وبعد أن طلب الرئيس من الحزب العمل على إصدار برنامج جديد للسنوات الأربعة القادمة عاد الحزب ليعلن بأنه قرر تبني الأجندة السياسية التي يحددها الرئيس ترامب.
البعض يرى أن الحزب بقراره هذا قد دلل وأثبت أنه وصل لمستوى متقدم من الفقر الحقيقي في الأفكار والمبادرة والأفق السياسي الضيق، على الرغم من أن أي برنامج سياسي حزبي بطبيعته هو أشبه ما يكون بمسار عام للحزب مكون من مبادئ واهداف عامة، وليس وثيقة أهداف تحدد بقدسية كيف يتحرك الحزب ومحددة المتسلمات بشكل واضحة، إلا أنه ورغم أن الحزب إعتاد تاريخياً مثله مثل الحزب الديمقراطي الخروج بمثل هذه البرامج إلا أن اليوم أصبح عاجزاً حتى من أصدار وثيقة يمكن لها أن تقدم مساراِ عاماً تنويرياً لمستقبل البلاد، في حين نجح الحزب الديمقراطي ومرشحه ”جو بايدن“ من إصدار وثيقة مفصلة لمسار الحزب والرئيس المرشح في السنوات الأربعة القادمة.
من المعروف أن الممارسة الحزبية المتبعة دائما ما تتصف بالجدال والتفاوض بين أعضائه وقياداته حول الأفكار وحتى حول طريقة كتابة العبارات من أجل الخروج بما يمكن أن يوصف بهوية الحزب في العمل السياسي للفترة القادمة، وبالإمكان العودة لسجلات التاريخ لنجد وثائق كل برامج الأحزاب جمهورية كانت أم ديمقراطية، تلك الوثائق التي تصور لنا مسار التطور السياسي والفكري للأحزاب عبر العصور، إلا أن الغريب والإستثنائي مع الحزب الجمهوري في هذه المرحلة هو أنه ليس لديه شئ يضيف للحزب، وكأن الحزب في هذا الفترة ليس له وجود، في حين بالمقابل يمكننا أن نقرأ و نستنتج من برنامج الحزب الديمقراطي لعام ٢٠٢٠ مستوى الصراع في مكونات محتواه بين الأطياف المتعددة التي تشكل الحزب اليوم ما بين معتدلين وتقدميين ويساريين
عندما نقارن بين الحزب الجمهوري اليوم وبين فترات سابقة نجد مثلاً أن برنامج الرئيس الجمهوري بوش الإبن قبل أحداث سبتمبر كانت تتركز علي إيضاح أن الحزب يحمل هماً للمجتمع وأنه متعاطف مع المستضعفين عبر مثلاً برامج تتعلق بتطوير التعليم وبرامج ضخمة في إعادة تأهيل اللاجئين والمهاجرين وبرامج مرتبطة بإدماج المساجين في المجتمع وتوفير لهم مصادر للعمل وإصلاح السجون، كان الحزب حينها يعمل على وضع برامج وسياسات، وذلك ينطبق أيضا في أيام ريغان، لم تكن برامجهم فقط أفكار عامة بل مسار لكيفية المضي بتلك الأفكار نحو تحقيقها، وقد شاهدنا في مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير في نهاية أغسطس ٢٠٢٠ محاولة من الحزب الجمهوري وحملة ترامب على محاكاة تلك الآفكار بإجترارها وقولبت بعض الأوامر والقرارات المبعثرة للرئيس حول تلك القضايا وتصويرها على أنها تنطلق من إستراتيجية وبرنامج سياسي، يتضح بالمراجعة والبحث أن لا يمكن إيجاد مراجع واضحة لها في وثائق وبرامج الحزب المعلنة، وبالتالي لا يمكن النظـر لها إلا بكونها دعاية سياسية انتخابية بهدف الإستهلاك الإعلامي و إقناع المتلقي.
الحزب الجمهوري اليوم كما يراه العديد من المتخصصين وبالتحديد الاستراتيجيين الجمهوريين الذين حللوا مسار الحزب في مرحلة ترامب هو انه ليس فقط اضمحل وجود مبادئ حزبية بل إنعدام وجود أي أفكار أو سياسيات قادرة على الصمود أمام الناخب وإقناعه بأن الحزب يملك رؤية في المضي قدما لإصلاح حياة الناس.
أصوات تغرد خارج السرب
البعض يرى أن الحزب الجمهوري وإن كان يسير مع إتجاه التبعية لترامب في الوقت الحاضر و ما يوصف بانعدام لرؤية ومسار مستقبلي واضح، إلا أن الحزب لم يصل إلى حالة من الأستسلام الكامل أو النضوب الشامل، والتدليل على ذلك مرجعه على سبيل المثال لا الحصر خطابات كل من سفيرة أمريكا السابقة لدى الأمم المتحدة ”نيكي هيلي“ ذات الأصول الهندية و السيناتور ”تيم سكوت“ ذا الأصول الأفريقية في مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير، حيث يتضح أن هناك في داخل الحزب من يحمل ويعمل وفق رؤية وخطاب يتجاوز مرحلة ترامب بصرف النظر إن كان تلك المرحلة ستنتهي في ٢٠٢٠ أو في ٢٠٢٤.
فقد عملت عدة أصوات داخل الحزب الجمهوري منذ ٢٠١٢ رغم محدودية عددها على تغيير الصورة النمطية للحزب باعتباره الحزب المفضل للناخب الأبيض فقط، حيث عمدت على توسيع دائرة خطابها السياسي لكسب شرائح أخرى داخل المجتمع خصوصاً مع التغير الديمغرافي للسكان وزيادة تأثير الأقليات على مخرجات الانتخابات الرئاسية والتشريعية على المستوى الوطني والمحلي، وعلى الرغم من أن وصول ترامب للبيت الأبيض في ٢٠١٦ عطل كما يرى البعض ذلك التوجه الذي نشأ بعد إعادة إنتخاب أوباما إلا أن ذلك الصوت المعتدل له وجود حقيقي داخل الحزب، وأن الحوار والجدل السياسي وإن كان خافتاً اليوم في وجه الصوت الشعبوي الترامبي الطاغي إلا أنه لازال يتشكل في أجندات السياسيين الجمهوريين الشباب الطامحين لمستقبل حزبي و شخصي في المرحلة القادمة من أمثال هيلي وسكوت.
كما أن السيناتور الجمهوري السابق من اريزونا ”جيف فليك“ الذي لم يسعى لتجديد فترته وانسحب من العمل التشريعي نتيجة ما فسره البعض انه رفض من طرفه لواقع الحزب الحالي، خرج مؤخراً في شريط مصور يعلن فيه دعم المرشح الديمقراطي ”جو بايدن“ واصفاً الحزب الجمهوري بالقول ( ولأي شخص يقف هنا اليوم ويقول أن الحزب الجمهوري اليوم باقي وفّي للمبادئ المحافظة أثناء مدة رئاسة ترامب، أقول له ”لا“ لا يمكن القول بذلك، فالاعتقاد من منطلق محافظ أن هناك سبباً منطقياً لإعادة إنتخاب ترامب هو كالقول بأننا نريد اليوم حزب قبلي يدعو لمزيد من الإنقسام وترسيخ فقدان الوعي أمام تصرفات رئاسية غريبة، شخصياً لا أستطيع أن أكون ولا أريد أن أكون جزء من ذلك، ببساطة ليس في ذلك أي مستقبل) .
حزب في العلن وحزب في الخفاء
يقول ”تيم البيرتا“ (أن هناك فرق كبير بين ما يقوله بعض الجمهوريين في العلن وبين ما يقولونه في الخفاء، فلو مثلاً طرحنا سؤالاً في جلسة غير علنية على ٥٠ من أهم أعضاء الكونغرس الجمهوريين عن ديمومة الحزب وفق واقعه اليوم وعن ديمغرافية أمريكا والتحديات التي تواجهه وهو الحزب الذي يعتمد بشكل أساسي على الناخب الأبيض، بإمكاني القول أن ٤٠ منهم سيقولون نعم نحن في مشكلة، والمشكلة تتفاقم ويجب القيام بشيء لمواجهة ذلك)
علينا أن نسأل إذا إن كان هذا هو الحال كما يراه هؤلاء فلماذا يصمتون ويتركوا حزبهم ينجرف بإتجاه الهاوية دون أن يقوموا بأي محاولة لإنقاذه، وربما الإجابة تكمن في أن هؤلاء يرون أنفسهم بإنهم مستقبل الحزب واللاعبين الحقيقيين على تناقضات الحزب السياسة، وعليه فسبب سكوتهم عن الحال اليوم غالباً يعود لرغبتهم في أن يكونوا جزء من مستقبل الحزب الذي سيعمل على إيجاد الحلول، وبالنسبة لهم دون شك يعتبر السكوت اليوم هو مبرراً منطقياً لهم ليضمنوا البقاء لتلك المرحلة المستقبلية، فلا أحد منهم يريد أن يحدث له ما حدث لـ”جيف فليك” الذي خرج علناً منتقداً الرئيس ترامب الأمر الذي أسفر عن خسارته لدعم الحزب وبالتالي دفعه للإنسحاب من التجديد رغم أنه يعد كما هو معروف أكثر الجمهوريين محافظة في الحزب في العقدين الأخيرين، فمواقفه المحافظة و التزامه العلني بأسس الحزب ونقده لترامب دفعته لأن يصبح وحيداً فاقداً لمساندة الحزب المنجرف بإتجاه سياسة شعبوية ملتفة ورهينة للرئيس كما بات واضحاً.
الواقع الذي ينطلق منه السياسيون اليوم وبالتالي الأحزاب هو أن الولايات والمقاطعات أصبحت أكثر انقساما سياسياً وثقافياً وجغرافيا بحيث أصبح اليوم بالمقارنة مع واقع الحال قبل ٢٠ عام مختلفاً بشكل كبير، فمن الصعب اليوم أن نجد مقاطعة مزيجة التوجه بين الحزبين، أو مع واقع حالها قبل ١٠ سنوات بحيث من الصعب أن نجد حي سكني متنوع سكانياً وهذا واقع معروف في العلوم السياسية.
تابعين وليسوا قادة
لذلك ستجد الجمهوريين حتى هؤلاء الأكثر إنفتاحاً وبراغماتية يعملون في الحقل السياسي من منطلق ما يراه ناخبيهم، فأغلب السياسيين بشكل عام ليسوا قادة يأخذون الناس بإتجاه ما يجب أن يكون بل يعملون وفق ردات الفعل تجاه ما يريده الناس، لذلك عندما نرى هؤلاء السياسيين ينجرفون بإتجاه الصراعات الثقافية والمواجهات الجانبية التي يحرضها الرئيس ترامب فهم لا يقومون بذلك من منطلق ما يجب أن يكون وبصرف النظر عن ما يقوله ناخبيهم، بل على العكس هم يقومون بذلك من منطلق أنهم يرددون ما يقوله الناس إرضاءاً لهم، وبالتالي فالتأثير على الناس وإن كانت نتائجه ليست بالضرورة تحسن من حياتهم ولكنها بلا شك تمنح الناخبين ما يريدون وتقيهم من إنقلاب ترامب عليهم.
في الختام يمكن قراءة واقع الحزب الجمهوري اليوم على أساس رؤيتين متناقضتين قال بها عضوين جمهوريين تبين أن الحال وصل بالبعض لحالة اليأس في حين لازال الأمر موجوداً لدى البعض، فيقول ”مارك سينفورد“ حاكم كارولينا الجنوبية السابق (إن استمرينا في الحزب على هذا النحو من ”طائفية شخصية الزعيم“ سنقتل جمهوريتنا) وفي المقابل يقول عالم السياسة المحافظ ”أرثر بروكس“ (إن مثل هذه الحالة تأتي وتذهب والحال يتغير بإستمرار، يجب أن لا نقلق كثير، على الأقل ليس بعد