العلاقات الدولية

بُعد السياسة الخارجية للانتخابات الرئاسية الأمريكية

بقلم: أندريه سوشينتسوف

بغض النظر عمن سيفوز في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2020، فإن القيود الهيكلية التي تؤثر على سلوك السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية ستظل قائمة، ستظل الصين منافساً رئيساً، وستكون العلاقات معها معقدة ومتناقضة، ولا يمكن تحييد الانقسام بين الحلفاء الأوروبيين من خلال لهجة سياسية جديدة من واشنطن، وفي نهاية المطاف، ستواجه الإدارة الأمريكية الجديدة عالماً متنوعاً ولامركزياً بشكلٍ متزايد تتصارع فيه القوى المتنافسة على السلطة والنفوذ.

تجري الحملة الانتخابية الأمريكية عام 2020 وسط أزمة داخلية، اتهامات بالتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للولايات المتحدة تُسمع من الجانبين، ويتهم الديمقراطيون المدعومون من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي، روسيا بالتدخل، حيث يُزعم أن قراصنة روس نشروا بيانات الناخبين المسجلين في عدد من الولايات عبر الإنترنت في اللافتات الإعلانية الديمقراطية المستخدمة على نطاق واسع والتي اجتذبت شعبية على نطاق واسع عبر الإنترنت، فيُعرض على الناخبين خياراً: إما الذهاب للتصويت، أو تعلم اللغة الروسية، مما يعني أنه إذا فاز ترامب فقد تصبح اللغة الروسية لغة الدولة في الولايات المتحدة.

خلال إحدى خطاباته، قال بايدن رداً على سؤال المضيف إن روسيا هي عدو للولايات المتحدة، بينما الصين ليست سوى منافس وإن كان جاداً.

رداً على ذلك، لاحظ الجمهوريون وفريق دونالد ترامب المحاولات الصينية للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومع ذلك، يحاول ترامب وضع التركيز الرئيسي في حملته على نجاحات السياسة الخارجية، وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات، أُقيمت مراسم في البيت الأبيض لتوقيع بروتوكولات لتطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والإمارات والبحرين، كما اعترف ترامب بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، ويشجع الآن حلفاءه على نقل سفاراتهم إلى تلك المدينة.

 في البيت الأبيض، تم توقيع مذكرة لحل بعض الخلافات بين صربيا وكوسوفو، وترامب لا يخجل من الإعلان عن حقبة سياسية جديدة في الشرق الأوسط، في حين أن هذا يبدو وكأنه مبالغة كبيرة، فقد أصبح في الواقع أول رئيس أمريكي منذ ما يقرب من 30 عاماً لا يبدأ حرباً جديدة في المنطقة، في الوقت نفسه، يزيد ترامب من الضغط على الصين، والذي يشبه بشكل متزايد المواجهة الأمامية من خلال سلسلة من الاستفزازات ومحاولات الاغتيال ضد القادة العسكريين والسياسيين، إضافةً إلى زيادة الضغط على إيران، حيث كان مزيج الضغط العسكري السياسي، والضربات الصاروخية المحلية ضد أهداف في الشرق الأوسط، وتجنب حملة لغزو المنطقة، سمة مميزة لسياسة إدارة ترامب الخارجية، وفي العلاقات مع روسيا، ليس كل شيء وردياً، حيث يضغط كبار السياسيين الأمريكيين لإنهاء بناء خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، رداً على النجاحات في برنامج الصواريخ الروسي، تكثف الولايات المتحدة تطوراتها في هذا المجال.

برنامج السياسة الخارجية للديمقراطيين عشية الانتخابات ليس واضحاً جداً، خاصة فيما يتعلق بقضايا العلاقات مع روسيا، تُسمع دعوات لتمديد معاهدة ستارت الجديدة، لكنها في الوقت نفسه تتحدث عن الحاجة إلى كبح النفوذ الروسي في أوروبا، ويشير بايدن إلى استعداده للابتعاد عن الخط المتشدد للغاية تجاه الصين وإيران، لكن من غير المرجح أن يسعى فريقه إلى عكس قرار ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة.

من المرجح أنه إذا أعلن بايدن النصر، فإن فريقه سيسعى للاستفادة من إنجازات ترامب ويتوقع تنازلات من الصين وإيران مقابل رفع أشد العقوبات.

  • ماذا يعني فوز كل من المرشحين لمصالح روسيا؟

في حالة فوز ترامب، فعلى الأرجح سنرى الحفاظ على الثوابت الحالية في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية، التي تم تبنيها في عهد الرئيس ترامب، حيث تم تحديد روسيا كواحدة من المنافسين الرئيسيين للولايات المتحدة، ولا تلعب الكيمياء الشخصية والعلاقات الجيدة بين قادة البلدين دوراً حاسماً في هذا الأمر، وسيعتمد الباقي على مدى إقناع فوز ترامب، كما حدث في عام 2016، فستستمر حالة الجمود، الديمقراطيون في الكونجرس سوف ينسفون أي مبادرة يطلقها الرئيس ترامب، وفي حالة فوز ترامب المقنع سيبقى هدفه في العلاقات مع روسيا كما هو – تخفيف التوترات من أجل تمزيق روسيا بعيداً عن الصين من خلال التنازلات التكتيكية، مثل تمديد معاهدة ستارت الجديدة ورفع بعض العقوبات والقيود التجارية، ومع ذلك، فإن العملية الرئيسية التي سيشارك فيها ترامب هي مراجعة المعاهدات والالتزامات التي تقيد الولايات المتحدة ، مع الحفاظ على موقف متميز مع الحلفاء، ولن تسمح الولايات المتحدة للاتحاد الأوروبي وخاصة فرنسا وألمانيا، بمراجعة ثوابت العلاقات عبر الأطلسي، حتى مع استمرار الضغط عليها لزيادة الإنفاق الدفاعي، في الوقت نفسه، سيستمر الجمود البيروقراطي للولايات المتحدة في “نشر الديمقراطية” و”احتواء روسيا” في أوراسيا، وخاصة في أوروبا الشرقية، ستستمر العمليات الابتكارية لوكالة المخابرات المركزية بالتنسيق مع وزارة الخارجية (برئاسة مدير وكالة المخابرات المركزية السابق مايك بومبيو)، القصص عن “المرتزقة الروس” في بيلاروسيا أو “تسميم” أليكسي نافالني هي بعض من أحدث الأمثلة على “كرنفال الاستفزازات” المستمر.

إذا فاز بايدن، ستكون هناك تغييرات ملحوظة في هذه الصورة، ستهدأ بيروقراطية واشنطن وتتوقف عن البحث عن أعداء وخونة داخل البلاد، ومن الأعراض في هذا الصدد ظهور رسالة مفتوحة من خبراء أميركيين من بين الموقعين عليها العديد من المسؤولين السابقين في الإدارة الرئاسية الأمريكية، يدعو مؤلفو الرسالة إلى إعادة تقييم رصين للمصالح الأمريكية في روسيا، وقبل كل شيء، فهم أفضل لما تريده الولايات المتحدة من موسكو، يُستنتج من هذه الرسالة أن السياسة الروسية للولايات المتحدة كانت مدفوعة بالعواطف أكثر من الحسابات الرصينة، ويمكن الاستنتاج أنه في حالة فوز بايدن، فسوف يُنظر إلى فترة ترامب على أنها فشل مؤقت للنظام السياسي الأمريكي، وربما يعيد هذا جواً أكثر هدوءاً للعلاقات الروسية الأمريكية مع الحفاظ على المنافسة.

سيبدأ الديمقراطيون في إصلاح الأضرار التي يعتقدون أن ترامب ألحقها بحلفاء الولايات المتحدة وأوروبا، وقد يكون هذا مصحوباً بضغط خطابي على روسيا، لكن لا توجد احتياطيات كثيرة للضغط، ولا يؤدي ذلك إلى انقطاع نهائي في العلاقات، وستحصل أجندة حقوق الإنسان والبيئة على زخم جديد، ستركز إدارة بايدن على قضية القرم والنزاع الأوكراني بشكل عام، في الوقت نفسه على الأرجح ستقرر إدارة بايدن تمديد معاهدة ستارت الجديدة، لكنها لن تتسرع في إنهاء إرث العقوبات الذي فرضته إدارة ترامب، والذي سيتم استخدامه كمورد لصفقات تجارية محتملة.

ومع ذلك ، فإن القيود الهيكلية التي تؤثر على سلوك السياسة الخارجية للولايات المتحدة ستظل قائمة، حيث النقص النسبي في الموارد سيمنع الإدارة الجديدة من متابعة حملة توسعية قوية بعيدة عن الحدود الأمريكية، وستظل الصين منافساً رئيسياً، وستكون العلاقات معها معقدة ومتناقضة، ولا يمكن تحييد الانقسام بين الحلفاء الأوروبيين من خلال لهجة سياسية جديدة من واشنطن، في نهاية المطاف ستواجه الإدارة الأمريكية الجديدة عالماً متنوعاً ولا مركزياً بشكل متزايد تتصارع فيه القوى المتنافسة على السلطة والنفوذ.

المصدر: توازن للأبحاث والدراسات

اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المركز العربي للدراسات الأمريكية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

إغلاق
إغلاق