الخليج العربي وإعادة بلورة الاتفاق النووي الإيراني في عهد بايدن صراع متجدد أم مشاركة متوقعة؟

بقلم: علي عاطف
بعد تأكيد الرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن” على رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015، بعدما خرجت منه واشنطن في مايو 2018، يبرز التساؤل بشأن تداعيات هذه الخطط على دول الخليج العربي المجاورة، من حيث رؤيتها لهذا الشأن وما إذا من المرجح أن تكون شريكة في الاتفاق، خاصة بعد تجربة الإفراج عن الأموال الإيرانية بموجب الاتفاق وما أعقبه من تهديد إيراني تنامى وقتها في المنطقة وكان أحد عوامل عدم استقرارها.
ومن هذا المنطلق، نستعرض فيما يلي “كيف تنظر دول الخليج العربي إلى عزم بايدن العودة للاتفاق النووي؟” وكذلك مدى إمكان إشراكها في إعادة بلورة الاتفاق من جديد وأن تكون طرفًا فاعلًا فيه.
كيف تنظر دول الخليج العربي إلى عودة واشنطن للاتفاق النووي؟
منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن عن عزمه في أغسطس 2019، العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، نشأت لدى دول الخليج العربي مخاوف من إمكانية بدء إيران زعزعة استقرار المنطقة مرة أخرى بنفس المستوى الذي وصلت إليه بعد التوصل للاتفاق النووي في يوليو 2015.
وعليه، فإن هذه التجربة، وبالتزامن مع الخطط الجارية لإعادة بلورة الاتفاق النووي لعام 2015، تدفع إلى ضرورة العمل والتعاون مع القوى الكبرى من أجل عدم تكرارها، وضمان امتثال إيران لكافة بنودها وتحقيق الاستقرار الإقليمي.
منح إيران الأموال يقود لتمدد نفوذها وعدم الاستقرار الإقليمي:
أقر الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 بإلغاء جميع العقوبات المفروضة على إيران مقابل عدة التزامات تتلخص في خفض طهران لأنشطتها النووية التي تقود في النهاية إلى عدم توصلها لإنتاج سلاح نووي. أعقب هذه الخطوةَ الإفراجُ عن مليارات الدولارات لصالح إيران، اتضح لاحقاً أنها استخدمتها في دعم وكلائها بالمنطقة،(1) مما قاد في النهاية إلى توسع نفوذها في عدد من دول المنطقة، كالعراق وسوريا.
وكان العديد من المراقبين قد أبدوا مخاوفهم بالتزامن مع التوصل إلى الاتفاق النووي في 2015 من استخدام إيران هذه الأموال لدعم هؤلاء الوكلاء في المنطقة وما وراءها. فقد كان من المقرر أن تحصل طهران على أكثر من 100 مليار دولار بعد تخفيف العقوبات عنها بموجب الاتفاق.(2)
وقد وقع بالفعل ما كان يُخشى منه، فقد تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة، وبات قائد فيلق القدس السابق، التابع للحرس الثوري الإيراني، “قاسم سليماني” الذراع العسكرية الطولى للنظام الإيراني في المنطقة.
ولم يخف المسؤولون الإيرانيون هذا التوسع، فقد رددوا كثيرًا عبارة أن “إيران تسيطر على 4 عواصم عربية”، وهو ما كان يُظِهر مدى النفوذ الذي وصلت إليه.
تراجع ملحوظ للدور الإيراني خلال فترة ترامب:
ومنذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بدءًا من يناير 2017، بدأ النفوذ الإيراني يتراجع في المنطقة. ويمكن القول إن التوسع الإيراني في المنطقة شهد انكماشًا، كاقتصادها، خاصة بعد خروج ترامب من الاتفاق النووي في مايو 2018، وبدء فرض حزم كبيرة من العقوبات الأمريكية على إيران. وهي عقوبات لا يزال فرضها مستمرًا حتى الآن مع توقعات بفرض أخرى خلال الأسابيع المقبلة.
لقد أدت عقوبات واشنطن، خاصة منذ 2018، إلى تقلص الدور العسكري والسياسي الإيراني في المنطقة وتراجعه نسبيًا، وإن كان لا يزال مستمرًا حتى الآن. تراجعٌ انعكس كثيرًا وبشكل واضح على مصادر دخل ودعم الجماعات الموالية لطهران في المنطقة، كلبنان والعراق، والتي باتت تعتمد في تمويلها على مصادرَ بديلة نسبيًا.
وعلى الجانب الآخر، يمكننا ملاحظة أن الدور الإيراني في المنطقة شهد اضطرابًا على المستوى العسكري بعد مقتل سليماني، المصنف على قوائم الإرهاب دوليًا منذ عام 2011، في يناير 2020. وإلى جانب ذلك، كان للتعثرات المالية التي تواجهها إيران خلال الفترة الأخيرة دور في ازدياد خشيتها في الوقت الحالي من فقدان “جزءٍ” من السيطرة على بعض وكلائها والميليشيات الموالية لها، المدرجة هي الأخرى على قوائم الإرهاب الدولية. وهو ما أمكن قراءته من زيارات مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى للعراق بعد مقتل سليماني.
ج- الدور الخليجي المتوقع في إعادة بلورة الاتفاق النووي:
انطلاقًا مما سبق، وبالنظر إلى ما أعقب الاتفاق النووي من تمدد للنشاطات العسكرية الإيرانية في المنطقة، من المتوقع أن تلعب دول الخليج دورًا إيجابيًا في إعادة بلورة هذا الاتفاق، محاولة أن تعدل بعض بنوده، بحيث يضمن في النهاية عدم تكرار توسع النفوذ الإيراني كما سبق بعد الاتفاق النووي.
وسوف تعتمد دول الخليج العربي في هذا الصدد على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة والدول الكبرى والاتحاد الأوروبي.
ومن المرجح أن يرتكز هذا الدور الخليجي ويهدف إلى:
- ضمان عدم توصل إيران إلى سلاح نووي، من خلال التفتيش الدقيق والدوري المتواصل لكل المواقع النووية.
- ضمان عدم رفع كل العقوبات الأمريكية ذات الصلة بالبرنامج النووي الإيراني وغيرها، كالمفروضة على القطاعات المالية، والنفط والغاز.
- عدم تخصيب إيران لليورانيوم بمستويات عالية فوق المسموح به، وهو 3.67%.
- التأكد من عدم قيام إيران ببناء منشآت نووية جديدة، كما هو منصوص عليه في الاتفاق نفسه.
- ضرورة أن يشمل الاتفاق الجديد، حال تم التوصل إليه، الملف الصاروخي الباليستي لإيران.
- التشديد على ألا يسلك النظام الإيراني سلوكاً عدوانياً في المنطقة، وألا يشعل التوترات بها.
- عدم إضرار النظام الإيراني ووكلائه بالملاحة في الخليج العربي.
هل ستكون دول الخليج العربي شريكاً في الاتفاق الجديد؟
من المتوقع أن تحاول إدارة بايدن تلافي خطأ الرئيس السابق باراك أوباما بخصوص قضية الملف النووي مع إيران وتوسع نشاطها في المنطقة آنذاك. فقد كان من الضروري أن يتم إشراك دول الخليج العربي بشكل أو بآخر في الاتفاق النووي، بحيث يضمن عدم الإضرار بمصالحها مستقبلاً، وأن يكون الاتفاق أشمل؛ لأن دول الخليج العربية تمثل كتلة إقليمية مهمة في المنطقة ومعها إيران؛ لذا لا يمكن ألا تكون طرفاً في الاتفاق.
إن ما يعزز من احتمال إقدام إدارة بايدن على إيجاد تعاون فعال أو إشراك دول الخليج في الاتفاق النووي هو تصريح جو بايدن نفسه في وقت سابق بأنه لن يسمح لإيران بتوسيع “أنشطتها العدوانية” في المنطقة، ما يعني احتمالية كبح الجموح الإيراني، وهو ما لن يتم من دون شراكة خليجية-إيرانية-أمريكية.(3)
وأكد بايدن كذلك على أن العودة للاتفاق النووي ستكون مشروطة بعودة إيران إلى كامل التزاماتها التي تخلت عنها بعد خروج إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، مشيراً إلى أنه سوف يكون “صارمًا” مع طهران.(4)
وعليه، فإن التوقع باستفادة الإدارة الأمريكية الجديدة من الأخطاء السابقة التي وقع بها أوباما والتي ظهرت بعد التوصل للاتفاق النووي مع إيران ودخوله حيز التنفيذ، هو ما يدفع إلى القول بأن إدارة بايدن من الممكن أن تسعى للتوصل إلى اتفاق نووي أشمل وأوسع بمشاركة دول الخليج العربي بشكل أو آخر.
وهو ما تعززه هذه التصريحات المذكورة آنفًا، خاصة وأن فريق بايدن أكد من جانب آخر سعي الأخير للتوصل إلى مزيد من اتفاقيات السلام بين الدول العربية وإسرائيل.
وعلى الجانب الآخر، سيجعل توقيع اتفاقيات سلام بين بعض الدول العربية مؤخرًا وإسرائيل من الصعب على إيران الاستمرار في سياستها التي انتهجتها خلال السنوات السابقة، أو تحديدًا قبل شهر مايو 2018، إلى جانب أن إدارة بايدن من المتوقع أن تركز بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة على معالجة آثار وتداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الداخل الأمريكي، ما يدفع إجمالاً باتجاه محاولة كبح جموح إيران.
المصادر والمراجع:
- ليلى بن هدنة، “العقوبات تهدف إلى منع إيران من تمويل الإرهاب حول العالم“، البيان الإماراتية، 16 ديسمبر 2018.
JONATHAN SCHANZER, “It Just Got Easier for Iran to Fund Terrorism”, Foreign Policy, July, 17th2015.
- فؤاد حسن، “ما هي السياسة الأمريكية المرتقبة حيال الشرق الأوسط بعد انتخاب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة؟”، فرانس 24، 9 نوفمبر 2020.
- المرجع السابق.
المصدر: المرصد المصري