العلاقات الدولية

أين ستحدث الحرب القادمة وتداعيات الجائحة.. أبرز دراسات مؤسسة “راند” الأمريكية خلال 2020

عرض – عبد المنعم علي

سلطت مؤسسة “راند” الأمريكية للأبحاث في تقرير “Most popular research” الصادر في 21 ديسمبر 2020، الضوء على أبرز النتاج البحثي خلال عام 2020، خاصة وأن هذا العام قد اتسم ببروز جائحة كورونا التي أودت بحياة أكثر من 1.5 مليون شخص، وألقت بظلالها على الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأوضح التقرير أن ظاهرة عدم المساواة التي برزت بصورة كبيرة في خضم جائحة كورونا كانت بمثابة تحدٍ كبير للحكومات المختلفة، ليس هذا فحسب بل أن حالة عدم المساواة برزت بصورة في المجتمع الأمريكي والتي تجلت بصورة كبيرة في مقتل جورج فلويد والذي أثار بصورة كبيرة حالة من الغضب الداخلي، وهو ما يلقي بظلاله على إدارة الرئيس المنتخب “جو بايدن” كأحد التحديات التي تواجه تلك الإدارة.

عدم المساواة في الدخل بالولايات المتحدة الأمريكية

أحد أبرز الدراسات التي شغلت حيزًا كبيرًا لدى الرأي العام تمثلت في عدم المساواة في الدخل كأحد أهم جوانب الاقتصاد الوطني، حيث حدث خلل كبير في توزيع الدخول، وطرح المقال تساؤلًا مفاده “ماذا لو ظل نمو الدخل عادلًا كما كان في العقود الثلاثة التي تلت الحرب العالمية الثانية؟” وتم مناقشة هذا الأمر باستخدام طرق حديثة لتحديد حجم فجوة الدخل في الولايات المتحدة والتي جاءت نتائجها كالآتي:

  • ابتداءً من عام 1975، زادت دخول 90٪ من الأمريكيين بمعدل أبطأ من الاقتصاد ككل، بينما زادت دخول نحو 10٪ بشكل أسرع.
  • إذا كانت دخول جميع الأمريكيين متماشية مع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 1975 إلى 2018، فإن الدخل التراكمي لأدنى 90% من المواطنين في الولايات المتحدة سيكون أعلى بمقدار 47 تريليون دولار بحلول عام 2018.
  • في عام 2018 وحده، كان من الممكن أن يصل الدخل لنحو 90% من المواطنين قرابة 2.5 تريليون دولار، بزيادة قدرها 67٪.
  • هناك تقاوت كبير في مستويات الدخول في المجتمع الأمريكي.

تأثير COVID-19 على العملية التعليمية “المدارس” بأمريكا

يتمثل ثاني التقارير ذات الاهتمام الداخلي في الولايات المتحدة، في التأثيرات المختلفة لجائحة كورونا على المسار التعليمي في أمريكا، فعقب حالة التفشي الذي شهده المجتمع الأمريكي أُغلقت المدارس وتحديدًا في شهر أبريل ومايو وتم التحول إلى حالة التعليم عن بعد، عبر الإنترنت، وأجرت مؤسسة راند استبيانًا لقياس مدى نجاح تلك العملية، وتبين من الاستبيان أن غالبية المعلمين كانوا يعتمدون على نهج التعليم عن بعد، وهو ما افقدهم الكثير من تقديم وتغطية المنهج الدراسي بصورة كاملة، فضلًا عن عجز المعلمين من التواصل مع كافة الطلاب، ونتيجة لذلك فإن هناك انخفاضًا كبيرًا في الروح المعنوية، وأن نحو 80% من المعلمين يشعرون بالإرهاق، في حين أبدى نحو 25% من المعلمين رغبتهم في ترك مجال التدريس.

 ولا يقتصر الأمر عند مستوى المعلمين بل أيضًا أثر سلبًا على الطلاب خاصة في المدارس التي تخدم شرائح تعاني من الفقر، حيث أثر على حصولهم على فرصة تعليمية مناسبة، وهو الأمر الذي يتطلب معه العمل على تقديم الخدمات التعليمية في المدارس المختلفة واتخاذ كافة الإجراءات من أجل ضمان حصول التعليم للجميع.

نتائج جديدة حول سياسة السلاح في أمريكا

تستهدف تلك الدراسة تسليط الضوء على مبادرة “Gun Policy In America” والتي تسعى إلى تزويد صانعي السياسات بمعلومات واقعية وموضوعية حول تأثير قوانين الأسلحة، إذ ألقى باحثو مؤسسة “راند” الضوء على ملكية الأسرة للأسلحة النارية، وقد شهد ذلك الملف تطورًا كبيرًا منذ عام 1980 حتى 2016 وتم تطوير قاعدة البيانات الخاصة بهذا الشأن للوقوف على عدد الأمريكيين الذين يمتلكون البنادق وكيفية الاختلاف في هذا العدد بمرور الوقت على كافة الولايات.

وقد قامت مؤسسة “راند” بتطوير قاعدة البيانات الخاصة بها والتي تتعلق بقوانين الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، متضمنة الإبلاغ المطلوب عن البنادق المفقودة أو المسروقة، وكذلك إزالة الأسلحة النارية من مكان وقوع حوادث العنف المنزلي، إلى جانب تضمين مورد جديد للمعلمين المهتمين بمساعدة طلاب المدارس الثانوية ومناقشة سياسة الأسلحة في الداخل الأمريكي، ولعل كل ذلك مهم من أجل فهم كيفية تأثير القوانين الخاصة بملكية السلاح وقضايا الانتحار والقتل وإطلاق النار الجماعي.

واستنتجت المؤسسة أن القوانين ذات الصلة والتي تتضمن سياسات منع وصول الأطفال للأسلحة وقوانين الحق في الحمل وقوانين الوقوف على أرض الوقع، كلها عوامل من شأنها أن تحد من الوفيات ذات الصلة بالأسلحة النارية على مدى الزمن، مع إبراز ضرورة تطبيق اللوائح المختلفة الخاصة بالطرق التي يتم بها تخزين الأسلحة وحملها واستخدامها بما يساهم في نهاية الأمر لإنقاذ الأروح.

الهيمنة: لعبة الخيارات الاستراتيجية

تسلط الدراسة الضوء على الاختراع الحديث في مجال الألعاب الإليكترونية والتي تُعرف باسم “Hedgemon” والتي تركز بصورة كبيرة على الجيش وآلية الصراع المسلح، حيث تعتبر تلك اللعبة واحدة من الألعاب الاستراتيجية وأول لعبة قدمتها مؤسسة “راند” للجمهور.

وداخل تلك اللعبة يمثل اللاعبون إما الولايات المتحدة وحلفاءها أو خصومها الرئيسيين، وتبدأ كل لعبة بسيناريو محدد، حيث يقوم اللاعبون بعد ذلك بتطوير استراتيجيات “التحوط” ومحاولة تنفيذ خططهم، خلال دورة (يمثل كل منها حوالي عام واحد). يجب على اللاعبين اتخاذ خيارات صعبة حول كيفية استخدام مواردهم.

على سبيل المثال، قد يتعين عليهم أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون شراء قوات جديدة، أو تحديث القوات الموجودة، أو تحسين قدرة معينة، ويمكن للاعبين اختيار التعاون أم لا، ويكمن الهدف النهائي في اكتساب تأثير عالمي أكبر من منافسيهم.

تتبع انتشار COVID-19 ببيانات السفر الجوي

تسلط تلك الدراسة الضوء على فهم أنماط انتشار COVID-19 وتقدير آثار التدخلات المتعلقة بالسفر، مثل تقييد السفر الجوي من مختلف البلدان، وعلى هذا الأساس قام باحثو مؤسسة “راند” بتطوير وسيلة جديدة تجمع بين بيانات حالة COVID-19 وبيانات السفر الجوي التفصيلية لتصور كيفية تفاعل العدوى والسفر الجوي التجاري لتصدير مخاطر فيروس كورونا في جميع أنحاء العالم.

وتوصلت تلك الدراسة إلى عدد من النتائج الرئيسية تتمثل في الآتي: 

  • بحلول أواخر (يناير) 2020، كان من المحتمل أن يسافر راكب واحد أو أكثر مصابون بفيروس كورونا من الصين إلى وجهات دولية عبر السفر الجوي التجاري كل يوم.
  • في نفس الوقت تقريبًا، كان من المحتمل أن يكون عدد الحالات في الصين أكبر بنحو 37 مرة  مما أبلغت عنه بكين.
  • بدأت الأعداد المتزايدة بصورة كبيرة  في الانتشار العالمي لـ COVID-19 في 19 فبراير 2020 – قبل ثلاثة أسابيع بالضبط من الإعلان الرسمي عن وباء عالمي.

هل ستحقق الصين أهداف استراتيجيتها الكبرى بحلول عام 2050؟

توضح تلك الدراسة أن التوترات بين بكين وواشنطن ارتفعت بصورة كبيرة خلال عام 2020، وتطرح الدراسة تساؤلًا يتمثل في “كيف ستتغير العلاقة بين أقوى دولتين في العالم في العقود القادمة؟ وهل ستصل بكين إلى أهدافها الطموحة؟

وانطلاقًا من هذا التساؤل وضع خبراء مؤسسة  “راند” أربعة مسارات محتملة لوضعية الصين عام 2050“منتصر ، وصاعد ، وراكد ، وانفجار داخلي”، حيث صنف الباحثون اثنين من هذه السيناريوهات على أنها الأكثر منطقية.

ستنجح “الصين الصاعدة” إلى حد كبير في تحقيق أهدافها طويلة المدى. بدلًا من ذلك، قد تواجه “الصين الراكدة” تحديات كبيرة وستفشل في الغالب في تنفيذ استراتيجية بكين الكبرى، ومع ذلك، فإن نوع الدولة التي ستصبح عليه الصين ليس مقداره ولا خارج عن نفوذ أمريكا تمامًا، وهنا يتعين على الولايات المتحدة الأمريكية الاستعداد لصين ينمو دوره على المسرح العالمي بشكل متزايد.

مسار تركيا القومي يؤثر على علاقاتها بواشنطن

ترى الدراسة التي أعدتها مؤسسة “راند” أن الولايات المتحدة تعتمد على شراكة استراتيجية مع تركيا لأكثر من 60 عامً، وذلك في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، وتعزيز أمن الطاقة، وتعزيز الرخاء والتنمية، لكن هذه الشراكة أصبحت متوترة في السنوات الأخير، ولم تعد مصالح أنقرة وواشنطن متوافقة كما كانت من قبل.

حيث تشير الدراسة إلى أنه في الداخل التركي ازدادت المشاعر المعادية لأمريكا، إلى جانب الشكوك حول مصداقية التزام الولايات المتحدة بالأمن التركي، وعلى النقيض من ذلك ففي الولايات المتحدة تتزايد المخاوف بشأن الانجراف الاستبدادي في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان والتوترات بين تركيا وجيرانها.

وعلى ضوء ذلك فقد قام باحثو مؤسسة “راند” بتقييم التحديات التي تواجه العلاقة الأمريكية التركية على مدى العقد المقبل وأوصوا بطرق محتملة للحفاظ عليها، مثل نزع فتيل الخلافات حول سوريا دبلوماسيًا واستمرار العلاقات العسكرية للولايات المتحدة والناتو مع تركيا لموازنة النفوذ الروسي.

توقع مستقبل الحرب

يُبنى هذا التقرير بالأساس على تساؤل لماذا وأين ستحدث الحرب القادمة؟ من ستقاتل الولايات المتحدة جنبًا إلى جنب وضد؟ وكيف ستخوض النزاعات المستقبلية؟

وعلى ضوء ذلك سعى خبراء مؤسسة “راند” للإجابة على هذه الأسئلة في مجموعة من التقارير وذلك لاستكشاف الاتجاهات الجيوسياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والبيئية، والقانونية، والمعلوماتية التي ستشكل الصراع حتى عام 2030.

وقد توصلوا إلى أن أمريكا سوف تواجه عددًا من المعضلات الاستراتيجية ستضع الحروب المستقبلية مزيدًا من المطالب على القوات الأمريكية وستسحب الموارد المحدودة في اتجاهين متعاكسين، يمكن لأمريكا أن تنفصل عن الماضي وتصبح أكثر انتقائية في الالتزام بقواتها. أو يمكن أن تضاعف من التزاماتها، مع العلم أن القيام بذلك قد يكون له تكاليف أعلى.

التدخل الأجنبي وانتخابات 2020

قبل الانتخابات الأمريكية لعام 2020 ساعدت مجموعة من الدراسات والتقارير الصادرة عن مؤسسة “راند”صانعي السياسات والجمهور على فهم التدخل الأجنبي عبر الإنترنت في الانتخابات الوطنية والخاصة بالولاية والمحلية -وكيفية التخفيف من هذا التهديد.

بشكل عام، يركز التدخل الروسي في عملية الانتخابات الأمريكية على خلق حالة من عدم الثقة، بهدف شل العملية السياسية الأمريكي، وهذا النوع من التداخل ليس جديدًا حيث اعتمد تدخل موسكو الأخير في الانتخابات إلى حد كبير على الاستراتيجيات التي طورها الاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة ومع ذلك، سهّلت التكنولوجيا الجديدة وظهور وسائل التواصل الاجتماعي على روسيا تنفيذ حملاتها الدعائية.

كانت مثل هذه الحملة بدأت بصورة كبيرة في أوائل عام 2020، كنتاج لفحص 2.2 مليون تغريدة، والتي أثبتت أن هناك جهدًا منسقًا للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكي، والعمل لصالح الرئيس ترامب وضد الرئيس المنتخب بايدن.

لكن هل محاولات التأثير على الأمريكيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي تنجح بالفعل في المقام الأول؟

قامت مؤسسة راند بمتابعة عشوائية لأكثر من 1500 مستخدم على Facebook في محاولة لفهم كيفية تفاعل الأمريكيين عاطفيًا مع الدعاية الروسية، ووجدت نتائج الفحص أن هناك تأثير كبير وفعال لتلك التدخلات في توليد ردود فعل قوية على طول الخطوط الحزبية، وهو ما زاد من فرص مشاركة المحتوى الروسي، غير أن في حالة معرفة مصدر المعلومات فإن نشرها يكون بمستوى أقل.

الصحة العامة والآثار الاقتصادية لإعادة الافتتاح

ركز هذا البحث على تداعيات جائحة كورونا حيث أوضح أنه لا يزال كل من “العزل” و”التباعد الاجتماعي” و”تسوية المنحنى” يبدو وكأنه إضافات جديدة للحديث اليوم، في ظل رغبة الآباء في عودة المدارس في الخريف. وبعد أسابيع من الإغلاق الواسع النطاق في مارس وأبريل، كان المسؤولون الحكوميون والمحليون يحاولون قياس الآثار المحتملة لتخفيف أو تشديد إجراءات مكافحة الأمراض المختلفة.

وفي محاولة لدعم القرارات القائمة على الأدلة، طور باحثو مؤسسة “راند” آلية تفاعلية كانت من بين أول  الآليات التي جمعت بين النماذج الوبائية والنماذج الاقتصادية، تقدر الأداة التأثيرات على الحالات الجديدة والوفيات ومطالبات البطالة وغير ذلك.

وتوصلت إلى أنه من المفيد التفكير في هذه القرارات السياسية الصعبة على أنها لعبة محصلتها صفر بين الصحة العامة والاقتصاد من نواحٍ كثيرة، وأن الوضع أشبه بمعضلة السجين الكلاسيكية يميل الأفراد إلى الانخراط في سلوك محفوف بالمخاطر، وربما يكون ذلك بتكلفة كبيرة لمجتمعاتهم.

وترى الدراسة أنه إما الانفتاح بشكل كامل متبوعة بعواقب وخيمة، أو التعاون وخلق نتيجة قد تكون مكلفة على المدى القصير غير أنها ستساهم بصورة كبيرة في الحفاظ على الصحة العامة وعلى اقتصاد متماسك على المدى الطويل.

المصدر: المرصد المصري

اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من المركز العربي للدراسات الأمريكية

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

إغلاق
إغلاق