لماذا تراجع ترامب؟

بقلم السيد زهره: كان متوقعا على نطاق واسع أن يقرر الرئيس الأمريكي ترامب عدم تجديد الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران بما يترتب على ذلك من إعادة فرض العقوبات التي تم رفعها بسبب الاتفاق.
سبب هذا التوقع هو بالطبع الموقف الذي دأب ترامب على إعلانه من الاتفاق واعتباره أسوأ اتفاق وقعته أمريكا ويمثل تهديدا للمصالح الأمريكية، وتعهده مرارا بأنه سينسحب من الاتفاق ولن يقر تمديد الالتزام به.
وعزز من هذه التوقعات في الفترة الماضية اندلاع الانتفاضة الشعبية في إيران، والتي دفعت الكثيرين إلى الاعتقاد بأنها سوف تعزز موقف ترامب من الاتفاق وتشجعه على تنفيذ تعهده بالانسحاب منه.
لكن على عكس كل التوقعات، تراجع ترامب وقرر تمديد الالتزام بالاتفاق، وبالتالي تظل العقوبات مرفوعة عن إيران.
كيف نفسر هذا الموقف؟.. لماذا تراجع ترامب؟
في تقديرنا، هناك أربعة عوامل كبرى تفسر هذا التراجع.
العامل الأول: الحملة السياسية والإعلامية الضخمة التي تم شنها داخل أمريكا في الفترة الماضية دفاعا عن الاتفاق النووي وللضغط على ترامب وإدارته ودفعهم إلى عدم الانسحاب من الاتفاق.
هذه الحملة شملت عرائض وقعها عشرات من المسئولين السابقين والخبراء موجهة إلى ترامب تطالبه بالالتزام بالاتفاق وتحذره من الانسحاب منه، كما شملت عشرات التقارير والتحليلات في نفس الاتجاه.
بالطبع، كما هو متوقع كان للوبي الإيراني في أمريكا دور أساسي في هذه الحملة.
هذه الحملة من الضغوط على ترامب تعمد أصحابها التهويل من الأخطار التي يتصورونها والتي تترتب على الانسحاب من الاتفاق، وكيف أن الاتفاق يخدم مصالح أمريكا، وسيترتب على الانسحاب منه الإضرار بهذه المصالح، ويقود إلى عزلة أمريكا في العالم .. وهكذا.
الأمر المؤكد أنه كان لهذه الحملة تأثير مهم على قررا ترامب.
العامل الثاني: يتعلق بموقف الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق وخصوصا الدول الأوروبية.
معروف أن الدول الأوروبية، وأيضا روسيا والصين، عبرت علنا عن رفضها لموقف ترامب وتهديده بالانسحاب من الاتفاق، واعتبرت أن أي قرار بهذا الخصوص سيهدد الأمن. والمؤكد أن هذه الدول مارست ضغوطا مباشرة عبر اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية في هذا الاتجاه.
بالطبع، مفهوم أن الدول الأوروبية كل ما يعنيها الآن هي مصالحها الاقتصادية مع إيران ولا تريد لشيء أن يهددها.
والمؤكد ان ترامب لم يشأ أن يجازف بتردي العلاقات مع حلفاء أمريكا الأوروبيين.
العامل الثالث: مرتبط بالانتفاضة الأخيرة للشعب الإيراني.
الحادث هنا انه بعد اندلاع الانتفاضة، ظهرت في أمريكا وجهة نظر مؤداها أن الانسحاب من الاتفاق ليس في مصلحة انتفاضة الشعب الإيراني ولن يكون عاملا مساعدا لأي تحركات شعبية ضد النظام.
الفكرة هنا بالنسبة إلى أصحاب وجهة النظر هذه هي أن الانسحاب من الاتفاق سوف يعزز موقف النظام الإيراني ومزاعمه بأنه يتعرض لمؤامرة خارجية، وسوف يضعف من موقف القوى الشعبية التي تحمل النظام مسئولية الكوارث الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
ربما تكون إدارة ترامب قد تأثرت بهذا الطرح.
العامل الرابع: يتعلق بالمشاكل والأزمات الداخلية التي يتعرض لها ترامب شخصيا.
معروف أن ترامب يواجه أكثر من ملف مفتوح يستهدفه شخصيا في الفترة الحالية. والأرجح أنه لم يشأ أن يفتح ملفا جديدا يستغله خصومه الكثيرون ويعزز الحملة الداخلية عليه.
هذه إجمالا هي في تقديرنا الأسباب التي تفسر تراجع ترامب واتخاذه قرار الإبقاء على الاتفاق النووي.
طبعا، ترامب أعلن أن الفرصة التي منحها للاتفاق هي الفرصة الأخيرة، وأنه ما زال عند رأيه بأنه ما لم يتم تعديل الاتفاق فسوف ينسحب منه.
لكن تنفيذه لهذا التهديد مجددا هو أمر محل شك، وأيضا لنفس الأسباب التي ذكرناها.