مقالات

خطة غراهام..صقور ضد الملالي

بقلم إميل أمين: بين المطرقة والسندان تصحو طهران وتنام ، بين العقوبات الاقتصادية التي تتوالى على أم راسها ، واخرها تلك التي فرضت علي وزير خارجيتها جواد ظريف ، صاحب الابتسامة الباهتة التي تحمل من وراءها مكر السنين ، وبين الخطط التي توضع وراء الكواليس لاخضاعها قسرا مهما طال الوقت .

في الخفاء تدور المعارك ما بين طهران وواشنطن ، بعضها تصل اخباره الى مسامع العامة ، فيما البعض الاخر مغرق في السرية ، ولا يعلن عنه الا حين تقتضي الحاجة امريكيا الى كسب زخم من قبل الراي العام الامريكي في الداخل اولا، وتاليا حين يتوجب بعث رسالة الى الحلفاء الاوربيين على الجانب الاخر من الاطلسي .

لم يكن العالم على دراية بان الرئيس ترامب قد كلف السيناتور الجمهوري “راند بول ” بلقاء ظريف خلال زيارته الاخيرة الى نيويورك ، وقد بدا واضحا ان اللقاء قد فشل وتحطمت مجاديف الحوار على صخرة الغطرسة الايرانية التقليدية ، تلك التي تصعد من مواقفها يوما تلو الاخر ، تجاه العم سام ، والذي لم يعد يقبل باقل من شروط بومبيو الاثنى عشر .

يمكننا الان ان ندرك لماذا العقوبات على ظريف، الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كالثعلب ، فهو ليس اكثر من جناح ضمن اجنحة الدهاء الايراني ، والذي يشاغل وسائل الاعلام الغربية ، عله يجد مربعات نفوذ من قبل الديمقراطيين او اليساريين الكارهين للرئيس ترامب مجانا ، والساعين الى ابطال جولته لادارة رئاسية ثانية .

لم يكن ساكن البيت الابيض بغافل عن الردات المتوقعة من قبل ظريف ، الرجل الذي لا يمتلك ناصية القرار من قريب او بعيد ، وما العقوبات التي فرضت عليه الا برقية لمرشد الثورة مفادها انت المطلوب منك وعلى حسب تعبيرك انت من سيتوجب عليه ان يشرب كاس السم ، ذلك القدر المقدور في الزمن المنظور لثورتكم ، بالضبط كما فعل الخوميني في نهاية ثمانينات القرن المنصرم .

في هدوء وتؤدة ، في الحال ، وابعاد خطة لها ملامح العاصفة التي تقتلع في الاستقبال ، تكشف لنا وسائل الاعلام الامريكية عن تدابير امريكية تضع ايران قسرا لا طوعا امام خطة جديدة لاتفاق نووي مغاير وبديل عن اتفاق اوباما 2015 سيئ السمعة والسؤال برقبة من معقودة مسودة الاتفاق ؟

من سوء حظ الملالي ان القائم عليها احد اخطر صقور المحافظين الامريكيين ، السيناتور الجمهوري ” ليندسي غراهام “، رئيس لجنة القضاء في مجلس الشيوخ ، والمعروف بشهوات قلبه ضد ايران، وتطلعه لعمل عسكري يعيدها الى العصور الوسطى لو امكن .
الخطة التي يحيك غراهام خيوطها ستكون بمثابة ” تغريدة البجعة الايرانية “، ان جاز التعبير في حال قبولها ، ولهذا فان احتمالات رفضها تكاد تكون بالمطلق …ما الذي تحتويه ؟

بداية الخطة ليست طرحا امريكيا شوفينيا خالصا ، بل انها تستعين بافكار من جهات خارجية ، بما في ذلك مسؤولين اجانب ، ما يعني ان حلفاء واشنطن حول العالم ، وفي منطقة الخليج العربي سيكون لهم دور الناصح الامين ، ولن يبخل احد بخبرته علي القائمين عليها ، مما يوفر لها زخما ودعما دوليا واقليميا ، الامر الذي لم يتوافر بالمرة في اتفاق اوباما ، والذي لم يعر اهتماما يذكر بحلفاء واشنطن من الجانب العربي تحديدا .

يتطلع غراهام في خطوط طول خطته الجديدة من الرئيس الامريكي ان يطالب الايرانيين على هامش الرؤية الجديدة بالتوقيع على ما يعرف باتفاقية “123”، تلك التي تلزم الدول التي تعقد صفقات نووية مع الولايات المتحدة التوقيع على معايير حظر الانتشار النووي ، تلك التي وقعت عليها من قبل اربعين دولة ، ما يعني المزيد من القيود على الملالي ، ما يقلص هامش مناورتهم في الحال والاستقبال .

اما خطوط العرض عند غراهام والذي يعمل هذه المرة كحلقة وصل مع بقية الادارات الامريكية الاخرة ، وبنوع خاص الخارجية والدفاع والوكالات الحكومية الاخرى التي تدير العلاقات الدقيقة بين واشنطن وطهران ، وفي سويداء القلب منها ولاشك مجمع الاستخبارات سواء الخارجية او استخبارات الدفاع ، نقول انها خطوط لا تتوقف عند اشكالية البرنامج النووي فحسب ، بل تطال النقاط الساخنة الملتهبة التي تغاضي عنها باراك اوباما، ومنها الدور الهدام الذي تلعبه طهران على صعيد الاستقرار في المنطقة ، واياديها الميليشياوية واذرع حروب الوكالة في بعض الدول ، عطفا على برنامجها الصاروخي الذي بات خطرا قاتلا محدقا بالقاصي والداني ، ومن وراء الستار برامجها للحروب السيبرانية ، والقائمة وضحها الوزير بومبيو ، رجل السياسة الخارجية ، القادم من دهاليز الاستخبارات الامريكية ، ما يعني انه مزدوج الروح ، يفكر بعقل الدبلوماسي وينفذ بحرفية ضابط العمليات .

لا تقتصر القارعة المنتظرة ايران على ناصية الطرقات عما قريب على ما تقدم ، اذ تكاد خطة غراهام ان تضيف بندا لم يكن موجودا من قبل ، ولن يجرؤ غير ترامب وادارته على اضافته ، المعروف ب” المعيار الذهبي”، وهو بحسب الكثير من وسائل الاعلام الامريكية يعني عدم تخصيب اليورانيوم بالمرة ولا اعادة معالجته ، ما يعني ان ايران عليها ان تنسى لا احلام امتلاك القنبلة النووية ، بل وقف وتعطيل كافة برامجها النووية التي تدعي انها سلمية ،ومن اجل الحصول على الطاقة اللازمة لصناعاتها ، وهي ذريعة منحولة لان القاصي والداني يعلم ان ما لديها من غاز ونفط يكفي لعقود طوال .

علامتي استفهام في الاستطراد..هل يمكن لايران ان تقبل بهذه الخطة اولا ، وتاليا ما الذي يبغيه غراهام من خطته التي تبدو عبثية بالنسبة للملالي؟

حكما بات الايرانيون اليوم ابعد ما يكونوا عن لحظات الاتفاق حول استئناف المفاوضات ، وما افشل لقاء ظريف مع راند بول ، هو ان الاول طلب كما العادة رفع بعض من العقوبات كعربون لبناء ثقة تسمح بالتفاوض تاليا ، الامر الذي تنبه له المفاوض الامريكي المحنك والعالم ببواطن وتوجهات التقية الايرانية في الحل والترحال .

كما ان رفض المفاوضات يتعزز بعد انتصار تيار جون بولتون الذي اجبر بومبيو بحسب بعض المصادر الامريكية وثيقة ولصيقة الصلة بادارة ترامب على فرض العقوبات على ظريف .

الشطر الثاني من السؤال لماذا يفعل غراهام هكذا فمرده انه يريد ان يستمع الى الرفض الايراني عاليا ومدويا امام العالم كله وبخاصة تجاه الحلفاء الاوربيين المتخاذلين ، أي انه يدفع الايرانيين الى المزيد مما يمكننا ان نسميه التهور الاستراتيجي ، ذاك الذي يجعلهم يرتكبون المزيد من الاخطاء القاتلة التي تحكم الحبل من حول رقابهم .

والشاهد انه حال وضع خطة غراهام بجانب التحركات التي تجري لارسال المزيد من القطع العسكرية الى مياه الخليج لتامين سير ناقلات النفط ، وحال تنفيذ ايران مزيد من تهديداتها الخاصة بالتحلل من بنود الاتفاق النووي ، فان الملالي سيضحوا بمثابة الغريق الذي لم يعد يخشى البلل ، وهنا يمكن للقارعة ان تطبق على الرقاب ، بعد ان يكون العالم برمته شرقا وغربا ، وبخاصة اذا كان الخيار شمشون هو طريقهم ، واغلب الظن ان ذلك يمكن ان يكون كذلك .

نقلا عن العربية نت

الوسوم
اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: