العلاقات الدولية

الملامح الاستراتيجية للعلاقات العراقية – الأمريكية

بقلم: اشرف كشك

«العلاقات الأمريكية – العراقية شراكة استراتيجية بين البلدين قائمة على الرغبة المشتركة في الأمن والازدهار» هذا جانب من البيان الذي أصدره البيت الأبيض في أعقاب زيارة قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي للولايات المتحدة استغرقت أربعة أيام خلال الفترة من 19- 22 أغسطس 2020. وفي المقابل قال رئيس الوزراء العراقي خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في أعقاب لقائه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب «أنه تم الاتفاق على مجموعة من المبادئ تصب في مصلحة الشعب العراقي وتتعلق بوجود القوات الأمريكية وإعادة جدولة عملية الانسحاب والاتفاق على تشكيل فريق فني لإيجاد آلية لإعادة انتشار تلك القوات خارج العراق».

مضمون البيانين يعكس توافقًا كبيرًا بين الجانبين وخاصة ان ذلك اللقاء يعد الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي بين الدولتين, والذي دعت إليه الولايات المتحدة في يونيو 2020 في أعقاب تصاعد الجدل بالعراق حول مسألة انسحاب القوات الأمريكية من العراق والذي بلغ مداه مع تصويت البرلمان العراقي في الخامس من يناير 2020 على قرار يطالب الحكومة بإنهاء أي تواجد أجنبي على أرض العراق.

وواقع الأمر أن زيارة الكاظمي لم تكن سهلة لثلاثة أسباب أولها: من حيث التوقيت فقد كانت الأولى من نوعها منذ توليه السلطة في العراق في مايو الماضي حيث احتوت أجندة الزيارة على ملفات شائكة ليس أقلها التحديات الهائلة التي يواجهها العراق على المستوى الداخلي ومن ثم الرغبة في التعرف على طبيعة المساهمات الأمريكية في مواجهة تلك التحديات، وثانيها: أن العراق هو جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الإقليمي يتفاعل معها تأثرًا وتأثيرًا، وعلى الرغم من إعلان رئيس الوزراء العراقي بوضوح أنه «لا يلعب دور ساعي البريد» في إشارة إلى ابتعاد العراق عن الصراع الأمريكي- الإيراني فإنه لوحظ قيام إيران تزامنًا مع الزيارة بإطلاق صاروخين الأول باليستي مداه 1400 كم والثاني كروز بحري مداه 1000 كم ويحملان اسم قاسم سليماني وأوبومهدي المهندس اللذين قتلا في غارة أمريكية قرب مطار بغداد في يناير من العام الحالي، في رسالة موجهة ليس فقط الى اللقاء الأمريكي- العراقي وإنما الى المنطقة والعالم بتصميم إيران على المضي قدمًا في تطوير برامج الصواريخ المتوسطة والبعيدة المدى وتأكيد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن «إيران تمكنت خلال السنوات الست الماضية من الوصول من المرتبة 23 إلى المرتبة 14 على المستوى العالمي في الصناعات الدفاعية» إذ يتزامن الإعلان الإيراني مع إخفاق الولايات المتحدة في تمرير قرار في مجلس الأمن لحظر السلاح على إيران لفترة أطول من خمس سنوات، وثالثها: أن تلك الزيارة قد جاءت في أعقاب زيارة أجراها الكاظمي لإيران في يوليو الماضي واستغرقت يومًا واحدًا وأخرى تم الإعلان عن تأجيلها للمملكة العربية السعودية في الشهر ذاته بسبب الظروف الصحية آنذاك للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.

ويعني ما سبق أن تشابك الملفات الداخلية في العراق مع نظيرتها الإقليمية قد ألقى بظلاله على تلك الزيارة التي أسفرت – برأيي – عن عدة نتائج مهمة, وتتمثل النتيجة الأولى في نجاح الكاظمي في إرساء أسس دائمة للحوار الاستراتيجي بين الجانبين ولا ترتبط بالانتخابات الأمريكية كما سعت بعض الكتابات للترويج له ومن ذلك لقاؤه مع نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي التي تدعم المرشح الديمقراطي جو بايدن والتي أكدت دعمها للعراق بما يتوافق مع مضامين تصريحات الرئيس الأمريكي في هذا الشأن ومن ثم فإن هناك توافقا بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة على أهمية الشراكة الاستراتيجية مع العراق، أما النتيجة الثانية فهي: عدم اختزال الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين في الجانب الأمني – برغم أهميته – بل جاءت النتائج سريعًا في هذا الإطار عندما أعلنت الولايات المتحدة عن انسحابها من قاعدة التاجي العسكرية التي تقع على بعد 85 كم شمال العاصمة العراقية بغداد وكانت هدفًا للهجوم الصاروخي من جانب الفصائل الموالية لإيران، ومن ثم فإن إعلان مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكي عن تقديم مساعدات جديدة للعراق بقيمة 204 ملايين دولار قبيل لقاء نظيره العراقي يعكس تنوع مجالات تلك الشراكة، أما النتيجة الثالثة: فهي تأكيد كافة التصريحات الأمريكية الرسمية التي تزامنت مع الزيارة على عزم الولايات المتحدة الاستمرار في دعم وتأهيل العراق وإعادة الإعمار وكذلك بناء شراكات اقتصادية.

ومع أهمية تلك النتائج فإنه لاتزال هناك قضايا ربما تكون مجالاً لمرحلة جديدة من الحوار أو المباحثات بين الجانبين وأولها: توقيت انسحاب القوات الأمريكية ذاته, فوفقًا للتصريحات الأمريكية الرسمية فإن الانسحاب الكامل سوف يكون في غضون ثلاث سنوات بل ان ذلك الانسحاب سوف يظل مرتهنًا بقدرة العراق في الدفاع عن نفسه وخاصة في مواجهة التحديات الأمنية وأبرزها تنظيم داعش، بل وظهور الاغتيالات السياسية مجددًا في العراق وهو ما يعد تحديًا أمنيًا جديدًا، وثانيها: الجدل حول الميلشيات المسلحة التي تقع ضمن الهيكل الأمني الرسمي للقوات العراقية، ففي الوقت الذي تطالب فيه الولايات المتحدة بحل تلك الميلشيات فإن الموضوع ربما يستغرق وقتًا بما يتطلبه ذلك من إجراءات قانونية وأمنية في الوقت ذاته، وثالثها: حدود وطبيعة المساهمة الأمريكية في مواجهة التحديات الداخلية ومنها عودة النازحين وإعادة الإعمار وهل سوف يقتصر ذلك على الدعم المالي؟ أم أنه سوف يتضمن استشارات ضمن شراكة اقتصادية متكاملة في هذا الشأن؟

ومع أهمية تلك التحديات فإن نتائج الزيارة تبدو إيجابية في مجملها وخاصة لجهة التأكيد على العلاقات الاستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة, ففي ظل حالة الاضطراب الإقليمي الراهنة فإن العراق لايزال بحاجة لتعزيز وتطوير تلك الشراكات التي لا ترتبط بحزب ما داخل الولايات المتحدة أو مجال محدد بل أنها قائمة على مبدأ المساواة والندية, ولعل رئيس الوزراء العراقي قد عبر عن ذلك بوضوح حينما قال «العراق دولة ذات سيادة والتعامل معه يكون وفق هذا المبدأ».

وعود على بدء فإن تلك الزيارة وإن كانت قد أماطت اللثام عن ضلع من مثلث علاقات العراق الخارجية «الإقليمية والعربية والدولية» فإن المسارات المستقبلية للعلاقات العراقية – الأمريكية ستظل مرتبطة بعلاقات العراق الإقليمية وكذلك الخليجية والعربية حيث تتشابك الدوائر الثلاثة تلتقي وتتقاطع في قضايا عديدة إلا أن الأمر الثابت هو أن العراق يستهدف تفعيل علاقاته في كافة المسارات ومنها البعد الخليجي وهو ما عبرت عنه زيارة الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي للعراق في السابع والعشرين من أغسطس 2020. ومجمل ما سبق أن العراق بصدد صياغة مصالحه الاستراتيجية في ظل واقع إقليمي بالغ التعقيد وسريع التغير. 

المصدر: مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية

اظهر المزيد

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
%d